في كلام الشارع أقوى في العلية من الوارد في كلام الراوي, قال: ويشبه أن يكون تقديم العلة أقوى من عكسه ثم علله بعلة فيها نظر, وهذا الذي ذكر المصنف من كون هذه الأقسام من باب الإيماء نص عليه الآمدي أيضا وجزم ابن الحاجب بأن الجميع من باب الصريح. قوله:"فرع ... إلخ" اعلم أن هذا تفريع على شيء غير مذكور, فإن كلامه الآن في أن ترتيب الحكم على الوصف بدون الفاء هل يكون علة مطلقا أم لا بد من المناسبة؟ والكلام فيه متوقف على أن الترتيب المذكور يقتضي العلية ولم يتقدم له ذكر هنا ولا في المحصول, بل تقدم فيهما ما يقتضي عكسه فإن اشتراطه للفاء دليل على أنه دونها لا يفيد، فإن قيل: إنما لم يذكره أولا لكونه يعلم من هذا الفرع, قلنا: حينئذ يكون الفرع أصلا لما قبله لا فرعا عليه، وأقرب ما في تصحيح كلامه أن يقال: معناه إذا ثبت أن الترتيب السابق يقتضي العلية, فهل يكون نفس الترتيب المجرد عن الفاء مقتضيا لها أيضا أم لا؟ وإذا قدرنا اقتضاءه إياها فهل يشترط في الوصف أن يكون مناسبا أم لا؟ والحاصل أن المختار عنده أن الترتيب بدون الفاء يقتضي العلية وإن لم يكن مناسبا، وقيل: لا بد من المناسبة، واختاره الآمدي وابن الحاجب مع ترجيحهما أن ما عدا هذا النوع من أنواع الإيماء وهو ترتيب الحكم على الوصف لا يشترط فيه المناسبة، ولم يتعرض له المصنف، ثم استدل المصنف على مذهبه بأنه لو قال قائل: أكرم الجاهل وأهن العالم, لكان ذلك قبيحا عرفا وليس قبحه لمجرد الأمر بإكرام الجاهل وإهانة العالم, فإن الأمر بإكرام الجاهل قد يحسن لدينه أو شجاعته أو نسبه أو سوابق نعمه, كذلك الأمر بإهانة العالم قد يحسن أيضا لفسقه، أو بدعته، أو سوء خلقه، وإذا لم يكن القبح لمجرد الأمر فهو لسبق التعليل، أي: لكونه يسبق إلى الأفهام تعليل هذا الحكم بهذا الوصف؛ لأن الأصل عدم علة أخرى، وإذا سبق إلى الأفهام التعليل مع عدم المناسبة لزم أن يكون حقيقة. اعترض الخصم بأن دلالة الترتيب الذي لا يناسب على العلية في هذه الصورة لا يستلزم دلالته عليها في جميع الصورة؛ لأن المثال الجزئي لا يصحح القاعدة الكلية، لجواز اختلاف الجزئيات في الأحكام، وأجاب المصنف بأن هذا الترتيب لو لم يدل عليها في باقي الصورة لكان مشتركا؛ لكونه يدل على العلية تارة وعلى عدمها أخرى, فإن قيل: لا نسلم دلالته على عدم العلية إذ لا يلزم من عدم الدلالة وجود الدلالة على العدم، فالجواب أن هذا الترتيب قد وقع على مقتضى اللغة فلا بد أن يدل على شيء, فمدلوله في غير هذه الصورة إن كان هو التعليل فلا كلام، وإن كان غيره فقد دل على العلية، ولقائل أن يقول: الترتيب فرد من أفراد المركبات، والمركبات عند الإمام والمصنف غير موضوعة كما تقدم غير مرة، ووصف اللفظ بالاشتراك والمجاز فرع عن وضعه, قال الآمدي: واستنباط العلة من الحكم الملفوظ به كتعليل تحريم الخمر بالإسكار ليس من قبيل الإيماء، قال بخلاف العكس يعني: استنباط الحكم من الوصف كاستنباط الصحة من