العلية عدمية كان انتفاؤها وجوديا، فإن أحد النقيضين لا بد أن يكون وجوديا، وإذا كان انتفاؤها وجوديا امتنع أن يكون عدم كل جزء علة له؛ لأن الأمور العدمية لا تكون علة للأمر الوجودي، هذا غاية ما يقرر به جواب المصنف وفيه تكلف وضعف ومخالفة، أما التكلف فواضح، وأما الضعف فلأن هذه الطريقة تنعكس فيقال: العلة من الأمور الوجودية؛ لأن نقيضها عدمي وهو عدم العلية، وأما المخالفة فقد سبق أنه يجوز تعليل الوجودي بالعدم عند المصنف, ولم يجب الإمام به عن هذه الشبهة، وإنما أجاب به عن شبهة أخرى, وذلك أنهم قالوا: كون الشيء علة لغيره صفة لذلك الشيء، فإذا كان الموصوف بالعلية أمرا مركبا، فإن قامت تلك الصفة بتمامها بكل واحد من أجزاء المركب فيلزم أن يكون كل واحد منها علة مستقلة، وإن قام بكل واحد من تلك الأجزاء جزء من تلك الصفة فيلزم انقسام الصفة العقلية، ويكون حينئذ للعلية نصف وثلث وهو محال، هذا هو السؤال الذي أجاب عنه الإمام بكون العلية عدمية، وهو مطلق فترك صاحب الحاصل ذكر هذه الشبهة، ونقل جوابها إلى الشبهة الأولى، وتبعه المصنف، والظاهر أنه إنما حصل عن سهو، وأجاب ابن الحاجب بجوابين أحدهما: لا نسلم أن عدم الجزء علة لعدم العلية, بل وجود كل جزء شرط للعلية فعدمه يكون عدما لشرط العلية. الثاني: أن هذه علامات على عدم العلية واجتماع العلامات على الشيء الواحد جائز, سواء كانت مترتبة، أو في وقت واحد، كالنوم واللمس بالنسبة إلى الحدث. قال:"وهنا مسائل: الأولى: يستدل بوجود العلة عن الحكم لا بعليتها؛ لأنها نسبة تتوقف عليه، الثانية: التعليل بالمانع لا يتوقف على المقتضى؛ لأنه إذا أثر معه فبدونه أولى، قيل: لا يسند العدم المستمر، قلنا: الحادث يعرف الأزلي كالعالم للصانع. الثالثة: لا يشترط الاتفاق على وجود العلة في الأصل, بل يكفي انتهاض الدليل عليه. الرابعة: الشيء يدفع الحكم كالعدة، أو يرفعه كالطلاق، أو يدفع ويرفع كالرضاع. الخامسة: العلة قد يعلل بها ضدان، ولكن بشرطين متضادين". أقول: لما فرغ من شرائط العلة شرع في ذكر مسائل تتعلق بها الأولى: الإشكال في أنه يصح الاستدلال على الحكم بوجود العلة، كما يقال: وجد في صورة القتل بالمثقل علة وجوب القصاص، وهو القتل العمد العدوان فيجب فيها القصاص؛ لأن وجود العلة يستلزم وجود المعلول، ولا يجوز أن يستدل بعلية العلة على وجود الحكم، كما يقال: علية القتل العمد العدوان لوجوب القصاص ثابتة في القتل بالمثقل فيجب فيه القصاص، وإنما قلنا: إنه لا يجوز لأن العلية نسبة بين العلة والحكم، والنسبة متوقفة على المنتسبين, فتكون العلة متوقفة في وجودها على ثبوت الحكم، فلو أثبتنا الحكم بها لزم الدور، وهذا الجواب ضعيف بوجهين ذكرهما صاحب التحصيل, أحدهما: أن النسبة إنما تتوقف على المنتسبين في الذهن لا في الخارج. والثاني: أن المراد بالعلة هو المعرف كما سبق, وحينئذ فلا يلزم الدور. المسألة