وهو ينقسم إلى تام وناقص، فالتام إثبات حكم كلي في ماهية لأجل ثبوته في جميع جزئياتها, والناقص وهو مقصود المصنف, وهو إثبات حكم كلي في ماهية لثبوته في بعض أفرادها، هذا لا يفيد القطع لجواز أن يكون حكم ما لم يستقرأ من الجزئيات، على خلاف ما استقرئ منها، قال في المحصول: وكذا لا يفيد أيضا الظن على الأظهر، وخالفه صاحب الحاصل فجزم بأنه يفيد وتبعه عليه المصنف، وعلى هذا فيختلف الظن باختلاف كثرة الجزئيات المستقرأة وقلتها، ويجب العمل به لقوله -عليه الصلاة والسلام:"نحن نحكم بالظاهر" ومثال ذلك استدلال بعض الشافعية على عدم وجوب الوتر، بأن الوتر يؤدى على الراحلة وكل ما يؤدى على الراحلة لا يكون واجبا، أما المقدمة الأولى فبالإجماع، وأما الثانية فباستقراء وظائف اليوم والليلة أداء وقضاء، فإن قيل: الوتر كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم, ومع ذلك فإنه كان يصليه على الراحلة، فالجواب ما قاله القرافي وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في السفر, والوتر لم يكن واجبا عليه إلا في الحضر. قال:"الرابع: أخذ الشافعي رضي الله عنه بأقل ما قيل, إذا لم يجد دليلا، كما قيل: دية الكتابي الثلث وقيل: النصف وقيل: الكل بناء على الإجماع والبراءة الأصلية، قيل: يجب الأكثر ليتيقن الخلاص، قلنا: حيث يتيقن الشغل والزائد لم يتيقن". أقول: الدليل الرابع من الأدلة المقبولة: الأخذ بأقل ما قيل، وقد اعتمد عليه الشافعي -رضي الله عنه- في إثبات الحكم إذا كان الأقل جزءا من الأكثر، ولم يجد دليلا غيره، كما في دية الكتابي, فإن العلماء اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال، فقال بعضهم: إنها ثلث دية المسلم، وقالت المالكية: نصف ديته، وقالت الحنفية: مثل ديته، فاختار الشافعي المذهب الأول وهو أنها الثلث، بناء على أن المجموع من الإجماع البراءة الأصلية، أما الإجماع فإن كل واحد من المخالفين يوجبه، فإن الإيجاب الأكثر يستلزم إيجاب الأقل، حتى لو فرضنا أن بعضهم قال: لا يجب فيه شيء أصلا لم يكن إيجاب الثلث مجمعا عليه، لكونه قول بعض الأمة، وأما البراءة الأصلية فإنها تقتضي عدم وجوب الزيادة إذ هي دالة على عدم الوجوب مطلقا، لكن ترك العمل بها في الثلث للإجماع فبقي ما عداه على الأصل، فتلخص أن الحكم بالاقتصار على الأقل مبني على مجموع هذين الشيئين كما قرره الإمام والآمدي، لا على الإجماع وحده كما ظنه ابن الحاجب، بل الإجماع وحده إنما هو دليل على إيجاب الثلث خاصة، فقول المصنف: بناء الإجماع والبراءة، تعليل لقوله: أخذ الشافعي, وقوله إذا لم يجد دليلا سواه أي: فإن وجده الشافعي لم يتمسك بالأقل؛ لأن ذلك الدليل إن دل على إيجاب الأكثر فواضح، ولذلك لم يأخذ الشافعي بالثلاثة في انعقاد الجمعة وفي الغسل من ولوغ الكلب لقيام الدليل على الأكثر, وإن دل على الأقل كان الحكم بإيجابه لأجل هذا الدليل، لا لأجل الرجوع إلى أقل ما قيل، هكذا