الآمدي بأن الخبر وإن كان عاما في أشخاص الصحابة فلا دلالة فيه على عموم الاهتداء في كل ما يقتدى به، وعند ذلك فنقول: يمكن حمله على الاقتداء بهم فيما يروونه وهذه القاعدة التي أشار إليها قد تقدم الكلام عليها لكن ههنا جهة تقتضي العموم المعنوي وهي ترتب الحكم على الوصف, فإن الاقتداء مرتب على كونهم صحابة، وأما من ذهب إلى أنه إذا خالف القياس كان حجة وإلا فلا, فاحتج بأنه إذا خالف القياس فلا محل له إلا أنه اطلع على خبر فاتبعه وإلا فيكون قد ترك القياس المأمور به، وانقدحت عدالته وذلك باطل، وحينئذ فيكون قوله حجة لاستلزامه الحجة لا لذاته، وأجاب المصنف بأنه ربما خالف القياس لشيء ظنه دليلا ولم يكن كذلك في نفس الأمر، وأجاب غيره بأنه يلزم منه أن يكون مذهب الصحابي حجة على المجتهدين من الصحابة أيضا، ما قالوه، ولم يتعرض المصنف للقول المفصل بين أن ينشر أم لا؛ لكونه قد سبق الكلام عليه في الإجماع. قال:"مسألة: منعت المعتزلة تفويض الحكم إلى رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- والعالم؛ لأن الحكم يتتبع المصلحة، وما ليس بمصلحة لا يصير بجعله إليه مصلحة. قلنا: الأصل ممنوع، وإن سلم فلم لا يجوز أن يكون اختياره أمارة المصلحة؟ وجزم بوقوعه موسى بن عمران، لقوله -عليه السلام- بعدما أنشدت ابنة النضر بن الحارث: "لو سمعت ما قتلت" وسؤال الأقرع في الحج: أكل عام يا رسول الله؟ فقال: "لو قلت ذلك لوجب" ونحوه. قلنا: لعلها ثبتت بنصوص محتملة الاستثناء، وتوقف الشافعي رضي الله عنه". أقول: اختلفوا في أنه يجوز أن يفوض الله تعالى الحكم إلى نبي أو عالم، أن يقول له: احكم بما شئت فإنك لا تحكم إلا بالصواب، فقالت المعتزلة: لا يجوز، وقال موسى بن عمران بجوازه ووقوعه، وتوقف الشافعي -رحمه الله- في الجواز، كما قاله الإمام وأتباعه واختاروه، وهو مقتضى اختيار المصنف أيضا، فإنه قال: أجاب عن أدلة الفريقين، ومقتضى كلام ابن برهان في الأوسط أنه مذهب الشافعي, فإنه قال كما حكاه القرافي عنه: مذهبنا جواز هذه المسألة ووقوعها، واختار الآمدي وابن الحاجب أنه جائز غير واقع، وقال أبو علي الجبائي في أحد قوليه كما قال الآمدي: إنه يجوز للنبي دون غيره، وهذه المسألة قد جعلها الإمام وأتباعه عقب الأدلة كما جعلها المصنف، وجعلها الآمدي وابن الحاجب في كتاب الاجتهاد، ووجه مناسبتها الأول أنه إذا وقع تفويض الحكم إلى النبي أو العالم فتكون الأحكام بالنسبة إليه غير متوقفة على الدليل، ويكون حكمه من جملة المدارك الشرعية، ووجه مناسبتها الاجتهاد أن الحكم قد تعين فيها من جهة العبد لا بطريق الوحي. إذا علمت ذلك فقد احتجت المعتزلة على المنع بأن أحكام الله تعالى تابعة لمصالح العباد على ما سبق في القياس، فلو فوض ذلك إلى اختيار العبد لأدى إلى تخلف الحكم عن المصلحة؛ لجواز أن يصادف اختياره ما ليس بمصلحة في نفس الأمر، وما ليس بمصلحة في نفس الأمر لا يصير مصلحة بجعله