للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثواب ولا عقاب إلا على البعض. "واعلم" أن وصف الكل بالوجوب يلزمنا أيضا القول به؛ لأن كل حكم ثبت للأعم ثبت للأخص بالضرورة؛ لاشتماله عليه وقد تقدم أن الوجوب ثابت لمسمى إحدى الخصال, فيكون لكل واحد منها لاشتماله عليه، نعم يصدق على كل واحد أنه ليس بواجب باعتبار خصوصه، والمذهب الثالث أن الواجب معين عند الله تعالى غير معين عندنا، وهذا القول يسمى قول التراجم؛ لأن الأشاعرة يروونه عن المعتزلة والمعتزلة يروونه عن الأشاعرة كما قال في المحصول, ولما لم يعرف قائله عبر المصنف عنه بقوله, وقيل: هذا المذهب باطل؛ لأن التكليف بمعين عند الله تعالى غير معين للعبد، ولا طريق له إلى معرفته بعينه من التكليف بالمحال، وأبطله المصنف بأن مقتضى التعيين أنه لا يجوز العدول عن ذلك الواحد المعين، ومقتضى التخيير جواز العدول عنه إلى غيره، والجمع بينهما متناقض فإذا ثبت أحدهما بطل الآخر والتخيير ثابت بالاتفاق منا ومنكم, فيبطل الأول الذي هو التعيين. قوله: "قيل: يحتمل ... إلخ" أي: اعتراض الخصم على الرد المذكور من ثلاثة أوجه, أحدها: أنا لا نسلم أن مقتضى التخيير تجويز ترك ذلك الواحد المعين لجواز أن الله تعالى يفهم كل مكلف عند التخيير إلى اختيار ما عينه له. الثاني: أنه يحتمل أن الله تعالى يعين ما يختاره الموجوب، الثالث: أنا لا نسلم أيضا أن التعيين يحيل ترك ذلك الواحد المعين, فإن الواجب المعين قد يسقط بفعل غيره كما سقطت الجلسة الفاصلة بين السجدتين بجلسة الاستراحة, وغسل الرجل بمسح الخف، والشاة الواجبة قي خمس من الإبل بإخراج البعير وشبه ذلك، وأجاب المصنف عن الأول بأنه لو كان الواجب واحدا معينا ويختاره المكلف لكان كل من اختار شيئا يكون هو الواجب عليه دون غيره من الخصال، فيكون الواجب على هذا غير الواجب على الآخر عند اختلافهم في الاختيار، ولكن التفاوت بين المكلفين في ذلك باطل بالنص والإجماع, أما النص فلأن الآية الكريمة دالة على أن خصلة من الخصال مجزئة لكل مكلف، وأما الإجماع فلأن العلماء متفقون على أن المكلفين في ذلك سواء، وأنه الذي أخرج خصلة لو عدل إلى أخرى لأجزأه ووقعت واجبة, وهذا الجواب لم يذكره الإمام ولا أتباعه بل تمسكوا بالتنافي فقط وأجاب على الثاني وهو كونه تعين باختياره بأن الوجوب ثابت قبل اختيار المكلف إجماعا, مع أن الواجب في تلك الحالة لا يستقيم أن يكون واحدا معينا؛ لأن الفرض أن التعيين متوقف على اختياره، وقد فرضنا أن لا اختيار، وأجاب عن الثالث بأنه لو كان الواجب واحدا معينا والمأتي به بدلا عنه يسقطه, لكان الآتي به ليس آتيا بالواجب بل ببدله, لكن الإجماع منعقد على أن الشخص الآتي بأية واحدة شاء من هذه الخصال آتٍ بالواجب إجماعا.

قال: "قيل: إن أتى بالكل معا فالامتثال إما بالكل واجب أو بكل واحد فتجتمع مؤثرات على أثر واحد أو بواحد غير معين ولم يوجد أو بواحد معين وهو المطلوب

<<  <   >  >>