للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا الإهمال، ثم إن العمل بكل واحد منهما من وجه دون وجه، ويكون على ثلاثة أنواع، أحدها: أن يتبعض حكم كل واحد من الدليلين المتعارضين, أي: يكون قابلا للتبعيض فيثبت بعضه دون بعض، وعبر الإمام عن هذا النوع بالاشتراك والتوزيع، ولم يذكر له مثالا، ومثله التبريزي في التنقيح بقسمة الملك, وذلك كما إذا كان في يد اثنين دار فادعى كل واحد منهما أنها ملكه، فإنها تقسم بينهما نصفين؛ لأن يد كل منهما دليل ظاهر على ثبوت الملك، وثبوت الملك قابل للتبعيض فتبعض، ونحكم لكل واحد بعض الملك جمعا بين الدليلين من وجه, وكذلك إذا تعارضت البينتان فيه على قول القسمة بخلاف ما إذا تعارضنا في نحو القتل والقذف مما لا يتبعض. النوع الثاني: أن يتعدد كل حكم واحد من الدليلين، أي: يحتمل أحكاما فيثبت بكل واحد بعض تلك الأحكام، ولم يمثل له الإمام أيضا، ومثله بعضهم بقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" ١ فإنه معارض لتقريره -صلى الله عليه وسلم- الصلاة في غير المسجد، ومقتضى كل واحد منهما متعدد فإن الخبر يحتمل نفي الصحة ونفي الكمال ونفي الفضيلة, وكذا التقرير يحتمل ذلك أيضا، فيحمل الخبر على نفي الكمال، ويحمل التقرير على الصحة. "الثالث" أن يكون كل واحد من الدليلين عاما أي: مثبتا لحكم في الموارد المتعددة فيوزع الدليلان عليها، ويحمل كل منهما على بعض تلك الموارد، كما مثله المصنف بقوله: "خير الشهود" إلى آخره, وإلى ذلك كله أشار المصنف بقوله: بأن تبعض إلى آخره, وهو متعلق بقوله: فالعمل. قال: "مسألة: إذا تعارض نصان وتساويا في القوة والعموم، وعلم المتأخر فهو ناسخ، وإن جُهل فالتساقط أو الترجيح وإن كان أحدهما قطعيا أو أخص مطلقا عمل به, وإن تخصص بوجه طلب الترجيح". أقول: هذه المسألة عقدها المصنف لبيان محل ترجيح النصين المتعارضين على الآخر, وحاصلها أن النصين المتعارضين على قسمين, أحدهما: أن يكونا متساويين في القوة والعموم، الثاني: أن لا يكونا كذلك، والمراد بتساويهما في القوة أن يكونا معا معلومين أو مظنونين, وبتساويهما في العموم أن يصدق كل منهما على كل ما صدق عليه الآخر، وأما قول كثير من الشارحين: إن التساوي في القوة لا يدخل فيه ما كان معلوم السند والدلالة لاستحالة التعارض في القطعيات فباطل؛ لأن المراد من التعارض هنا ما هو أعم من النسخ، ولهذا قسموه إليه، وقد صرح في المحصول بذلك في مواضع من المسألة, أعني بدخول المقطوع فيه في هذه الأقسام، وصرح أيضا بأن التعارض والترجيح قد يقع في القطعيات على وجه خاص يأتي ذكره, فدل على أن إطلاق المنع مردود، فأما القسم الأول وهو أن يكونا متساويين في القوة والعموم ففيه ثلاثة أحوال، أحدها: أن يعلم أن أحدهما متأخر الورود عن


١ أخرجه السيوطي في الدرر المنتثرة "١٧٦" والهندي في كنز العمال "٢٠٧٣٧" وابن حجر في تلخيص الحبير "٢/ ٣١".

<<  <   >  >>