أمكن ترجيح بعضها على بعض بالمتن والسند، وإن كانت متواترة لم يكن الترجيح إلا بالمتن خاصة، كما قاله في المحصول١ وهو ظاهر. ثم ذكر المصنف أن يرجح القياس الذي ثبت حكم أصله بالنص كتابا كان أو سنة, على القياس الذي ثبت حكم أصله بالإجماع، ويرجح الإجماع على غيره كالقياس إن جوزنا حكم الأصل به، وتوجيه الثاني ظاهر؛ ولذلك سكت عنه المصنف. وأما الأول فتوجيهه أن الإجماع فرع عن النص؛ لأن حجيته بالأدلة اللفظية، ولا شك أن الأصل مقدم على الفرع وهذا الذي جزم به أبداه الإمام احتمالا فقط، فإنه نقل عن الأصوليين تقديم الإجماع على النص، محتجين بأن الأدلة اللفظية قابلة للتخصيص والتأويلات بخلاف الإجماع، ثم قال: وهذا مشكل وعلله لما قلناه من كونه فرعا له يعم، وصرح صاحب الحاصل باختياره فتبعه عليه المصنف. الوجه الرابع: الترجيح بحسب كيفية الحكم, وقد سبق بيانه في ترجيح الأخبار في الوجه السادس منه، وحينئذ فيرجح القياس المحرم على القياس المبيح، والمثبت للطلاق والعتاق على النافي لهما، والمبقى بحكم الأصل على الناقل، وهذا الأخير قد عكسه المحصول سهوا منه، فإنه أحال على ما تقدم، والذي تقدم هو العكس ويستوي القياس الموجب والمحرم، كما تقدم أيضا. الوجه الخامس: الترجيح بأمور أخرى وهي ثلاثة أولها وثالثها من قسم العلة، وثانيها من قسم الحكم فكان ينبغي ذكر كل واحد منها في موضعه الأول: موافقة الأصول في العلة، وهو أن يشهد لعلة أحد القياسين أصول كثيرة، كما قاله الإمام؛ لأن شهادة كل واحد من تلك الأصول دليل على اعتبار تلك العلة، ولا شك في الترجيح بكثرة الأدلة. الثاني: موافقة الأصول في الحكم لما تقدم في العلة كما قال الإمام, وشهادة الأصول بذلك قد يراد بها أن يكون جنس ذلك الحكم ثابتا في الأصول، وقد يراد بها دلالة الأدلة على ذلك الحكم. الثالث: الاطراد في كل الفرع فيرجح القياس الذي تكون العلة فيه مطردة أي: مثبتة للحكم في كل الفرع على القياس الذي لا تكون المنقوصة, وعلله الإمام بأن الدال على الحكم في كل الفرع يجري مجرى الأدلة الكثيرة؛ لأن العلة تدل على كل واحد منها، ويوجد في هذا الدليل ترجيح العلة التي فروعها أكثر من العلة الأخرى، وهو الذي جزم به الآمدي وابن الحاجب وصححه صاحب الحاصل, وحكى الإمام قولين من غير ترجيح، وعلل مقابلة بأنه لو كان أعم العلتين أولى من أخصهما لكان العمل بأعم الخطابين أولى من أخصهما، وأجاب الإمام بجواب فيه نظر، ومن تراجيح العلة ما قاله في المحصول, وهو أن يرد بها الفرع إلى ما هو جنسه، فإنها أولى مما يرد بها الفرع إلى خلاف جنسه كقياس الحنفية الحلي على التبر, فإنه أولى من قياسه على سائر الأمور. قال: كذلك العلة المتعدية فإنها راجحة على القاصرة،