[النجم: ٣، ٤] فإنه يدل على أن الأحكام الصادرة عنه -عليه الصلاة والسلام- كانت بالوحي، والجواب أنه لما أمر بالاجتهاد وتبليغ مقتضاه لم يكن ذلك نطقا بغير الوحي، وأجاب صاحب الحاصل بأن الاجتهاد إذا كان مأمورا به لم يكن النطق به هوى، واقتصر عليه، وتبعه المصنف على ذلك، وهو يشعر بأن الخصم قد استدل بصدر الآية وهو باطل؛ فإنه لا يقول بأن القول بالاجتهاد قول بالهوى، فإن الهوى هو القول لمحض غرض النفس، بل الذي يناسب التمسك به إنما هو قوله تعالى:{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} على ما قررناه، ثم لو سلمنا أن الاجتهاد قول بالهوى على تقدير تفسير الهوى المذكور في الآية بما تميل إليه النفس وتسكن له، فلا يستقيم أن يجاب عنه بأنه ليس بهوى، بل الجواب المطابق أن يقول: هذا الهوى مأمور به. الدليل الثاني: لو جاز له -صلى الله عليه وسلم- أن يجتهد في الأحكام الشرعية لكان يمتنع عليه تأخير فصل الخصومات والمحاكمات إلى نزول الوحي؛ لأن القضاء على الفور، وقد تمكن منه بالاجتهاد, لكنه أخر في الظهار واللعان وأجاب المصنف بأن العمل بالقياس مشروط بفقدان النص, ولوجود أصل يقاس عليه، وحينئذ فنقول: ربما كان انتظاره الوحي لكي يحصل له اليأس عن النص، وذلك بأن يصير مقدار يعرف به أن الله تعالى لا ينزل فيه وحيا, أو انتظارا لأنه لم يجد أصلا يقيس عليه وهذا اليأس أخذه المصنف من الحاصل ولم يذكره الإمام ولا الآمدي. قوله:"فرع ... إلخ" هذا البحث مبني على جواز الاجتهاد للرسول -عليه الصلاة والسلام- فلذلك عبر عنه بالفرع، والذي جزم به المصنف من كونه لا يخطئ اجتهاده قال الإمام: إنه الحق واختاره الآمدي وابن الحاجب أنه يجوز عليه الخطأ بشرط أن لا يقر عليه، ونقله الآمدي عن أكثر أصحابنا والحنابلة، وأصحاب الحديث، واحتج المانعون بأنا مأمورون باتباعه -صلى الله عليه وسلم- فلو جاز عليه الخطأ لوجب علينا اتباعه فيه، وهذا ضعيف؛ لأن الخصم يمنع أن يقر على الخطأ حتى يمضي زمان يمكن اتباعه فيه، ويوجب التنبيه عليه قبل ذلك فلا يتصور وجوب اتباعه فيه، سلمنا لكنه منقوض بوجوب اتباع العامي للمفتي، واحتج الآمدي بأشياء منها قوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}[التوبة: ٤٣] وقوله تعالى في حق أسارى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى}[الأنفال: ٦٧] فإن عمر كان قد أشار بقتلهم فلم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبقوله -عليه الصلاة والسلام:"إنما أحكم بالظاهر". قال:"الثانية: يجوز للغائبين عن الرسول وفاقا، وللحاضرين أيضا إذ لا يمتنع أمرهم به، قيل: عرضة للخطأ، قلنا: لا نسلم بعد الإذن، ولم يثبت وقوعه". أقول: اختلفوا في جواز الاجتهاد لأمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في زمنه على مذاهب حكاها الآمدي، وأحدها: يجوز مطلقا, والثاني: يمتنع مطلقا, والثالث: يجوز للغائبين من القضاة والولاة دون الحاضرين, والرابع: إن ورد فيه إذن خاص جاز وإلا فلا، والخامس: أنه لا يشترط الإذن بل يكفي السكوت مع العلم بوقوعه. قال: واختلف القائلون بالجواز في وقوع التعبد به، فمنهم من