للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: لا دلالة فيه أيضا؛ لأن الخطأ متصور عند القائلين بأن كل مجتهد مصيب, وذلك عند عدم استفراغ الوسع، فإنه إن كان ذلك مع العلم بالتقصير فهو مخطئ آثم، وإن كان بدون العلم به فهو مخطئ غير آثم. فلعل هذه الصورة هي المراد من الحديث, أو لعل المراد منه ما إذا كان في المسألة نص أو إجماع أو قياس جلي، ولكن طلبه المجتهد واستفرغ فيه وسعه فلم يجده، فإن الخطأ في هذه الصورة متصور أيضا عندهم. قلنا: إن وقع الاجتهاد المعتبر فيما ذكرتموه فقد ثبت المدعي وهو خطأ بعض المجتهدين في الجملة, وإن لم يقع فلا يجوز حمل الحديث عليه لما تقرر من وجوب حمل اللفظ على الشرعي، ثم العرفي, ثم اللغوي. فإن قيل: الدليل على أنه ليس كل مجتهد مصيبا قولهم: ليس كل مجتهد مصيبا؛ لأن اجتهاده في هذه المسألة إذا كان صوابا فقد حصل المدعى، وإن كان خطأ فقد وقع الخطأ لهذا المجتهد، وحينئذ فلا يكون كل مجتهد مصيبا. قلنا: هذه المسألة أصولية وكلامنا في المجتهدين في الفروع. قوله: "قيل: لو تعين" أي: احتج من قال بأنه ليس لله في الواقعة حكم معين بل حكمها تابع لظن المجتهدين بأمرين, وأحدهما: أنه لو تعين الحكم لكان المخالف له حاكما بغير ما أنزل الله، وحينئذ فيفسق لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: ٤٧] أو يكفر لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] واللازم باطل اتفاقا فالملزوم مثله، والجواب أن المجتهد لما كان مأمورا بالحكم بما ظنه، وإن أخطأ فيه كان حاكما بما أنزل الله تعالى. الثاني: لو لم يكن كل مجتهد مصيبا لما جاز للمجتهد أن ينصب حاكما مخالفا له في الاجتهاد لكونه تمكينا من الحكم بغير الحق, لكن يجوز لأن أبا بكر -رضي الله عنه- نصب زيد بن ثابت مع أنه كان مخالفة في الجد وغيره، وشاع ذلك بين الصحابة ولم ينكروه، والجواب أن الممتنع إنما هو تولية المبطل أي: من يحكم بالباطل والمخطئ في الاجتهاد ليس بمبطل؛ لأنه آتٍ بالمأمور به. قال: "فرعان: الأول: لو رأى الزوج لفظه كناية، ورأته الزوجة صريحا فله الطلب، ولها الامتناع فيراجعان غيرهما، الثاني: إذا تغير الاجتهاد كما لو ظن أن الخلع فسخ، ثم ظن أنه طلاق فلا ينقض الأول بعد اقتران الحكم، وينقض قبله". أقول: الفرع الأول: في طريق فصل الحادثة التي لا يمكن الصلح فيها, إذا نزلت بالمجتهدين المختلفين المقلدين لهما سواء، قلنا: المصيب واحد أم لا، كما إذا كان الزوجان مجتهدين، فقال لها: أنت بائن مثلا من غير نية للطلاق، ورأى الزوج أن اللفظ صادر منه كناية فيكون النكاح باقيا، ورأت المرأة أنه صريح فيكون الطلاق واقعا, فللزوج طلب الاستمتاع بها، ولها الامتناع منه، وطريق قطع المنازعة بينهما أن يرجعا إلى حاكم أو يحكما رجلا، وحينئذ فإذا كان حكم الحاكم أو المحكم بشيء وجب عليهما الانقياد إليه، فإن كانت الحادثة مما يجوز فيها الصلح كالحقوق المالية فيجوز فصلها به أيضا

<<  <   >  >>