وتعبير المصنف بالظن فيه نظر؛ لأن الظن هو الغالب ولا غالب, إنما الحاصل هو الاحتمال فقط، ويمكن جعل هذا الاعتراض دليلا للمعتزلة، فيقال: الإتيان بالشكر يدفع ظن الضرر, ودفع الضرر والمظنون واجب، فالإتيان بالشكر واجب والواجب أن الشكر قد يتضمن الضرر أيضا، فيكون الخوف حاصلا على فعله كما أنه حاصل على تركه، وإذا حصل الخوف على الأمرين كان البقاء على الترك بحكم الاستصحاب أولى، فإن لم يثبت أولوية الترك فلا أقل من أن لا يثبت القطع بوجوب الفعل، وإنما قلنا: إنه قد يخاف منه الضرر لثلاثة أوجه, أحدها: أن الشاكر ملك المشكور, فإقدامه على الشكر بغير إذنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه من غير ضرورة, والثاني: أن شكر الله تعالى على نعمه كأنه استهزاء بالله تعالى؛ لأن من أعطاه الملك العظيم كسرة من الخبز أو قطرة من الماء فاشتغل المنعم عليه في المحافل العظيمة بذكر تلك النعمة وشكرها كان مستهزئا، ولا شك أن ما أنعم الله تعالى به على عباده بالنسبة إلى كبريائه وخزائن ملكه أقل من نسبة اللقمة إلى خزائن الملك؛ لأن نسبة المتناهي إلى المتناهي أكثر من المتناهي إلى غير المتناهي، والثالث: أنه ربما لا يهتدي إلى الشكر اللائق بالله تعالى فيأتي به على وجه غير لائق, ونسق غير موافق. قوله:"قيل: ينتقض بالوجوب الشرعي" يعني: أن المعتزلة قالوا: ما ذكرتموه من الدليل يقتضي أن الشكر يستحيل إيجابه شرعا، فإنه يقال: إن الله تعالى لو أوجبه إما لفائدة, أو لا لفائدة إلى آخر التقسيم، لكنه يجب إجماعا فما كان جوابا لكم كان جوابا لنا، والجواب: أن مذهبنا أنه لا يجب تعليل أحكام الله تعالى وأفعاله بالأغراض، فله بحكم المالكية أن يوجب ما شاء على من شاء, من غير فائدة ومنفعة أصلا، وهذا مما لا يمكن الخصم دعواه في العقل. هكذا قال في المحصول, فتبعه المصنف هنا وفي مواضع أخرى, لكنه نص في القياس على أن الاستقراء دال على أن الله سبحانه وتعالى شرح أحكامه لمصالح العباد تفضلا وإحسانا، وهذا يقتضي أن الله تعالى لا يفعل إلا الحكمة، وإن كان على سبيل التفضل، وهو ينافي المذكور هنا، والجواب الصحيح: التزام كون الوجوب الشرعي لفائدة في الآخرة؛ لأنا علمناها بأخبار الشارع، وهذا لا يأتي في الوجوب العقلي كما تقدم. "فائدة": قال الآمدي: هذه المسألة ظنية؛ لأن المعقول فيها ضعيف كما تقدم.