الفقه فإنه جزء من أصول الفقه ولا يكون أصول الفقه، ولا يسمى العارف به أصوليا لأن بعض الشيء لا يكون نفس الشيء. والمراد بمعرفة الأدلة أن يعرف أن الكتاب والسنة والإجماع والقياس أدلة يحتج بها, وأن الأمر مثل للوجوب، وليس المراد حفظ الأدلة ولا غيره من المعاني فافهمه. واعلم أن التعبير بالأدلة مخرج لكثير من أصول الفقه كالعمومات وأخبار الآحاد والقياس والاستصحاب وغير ذلك، فإن الأصوليين وإن سلموا العمل بها فليست عندهم أدلة للفقه بل أمارات له، فإن الدليل عندهم لا يطلق إلا على المقطوع له، ولهذا قال في المحصول أصول الفقه مجموع طرق الفقه، ثم قال: وقولنا طرق الفقه يتناول الأدلة والأمارات.
قوله "إجمالا" أشار به إلى أن المعتبر في حق الأصولي إنما هو معرفة الأدلة من حيث الإجمالي ككون الإجماع حجة وكون الأمر للوجوب كما بيناه، وفي الحاصل أنه احتراز عن علم الفقه وعلم الخلاف، لأن الفقيه يبحث عن الدلائل من جهة دلالتها على المسألة المعينة، والمناظر أن ينصب كل منهما الدليل على مسألة معينة وفيما قاله نظر، ولم يصرح في المحصول بالمحترز عنه، فإن قيل: إن إجمالا في كلام المصنف لا يجوز أن يكون مفعولا لأنه عرف لا يتعدى إلا إلى واحد وقد جر بالإضافة، ولا تمييزا منقولا من المضاف، ويكون أصله معرفة إجمالا أدلة الفقه لفساد المعنى ولا حالا من المعرفة أو من الدلائل لأنهما مؤنثان، وإجمال مذكر، لا نعتا لمصدر محذوف، أي معرفة إجمالية. لتذكيره أيضا: فالجواب أنه يجوز أن يكون في الأصل مجرورا بالإضافة إلى معرفة تقديره معرفة دلائل الفقه: معرفة إجمالية. أي لا معرفة تفصيل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب كقوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف: ٨٢] أي أهل القرية ويجوز أن يكون نعتا لمصدر مذكر محذوف تقديره عرفانا إجماليا، قال الجوهري تقول عرفت معرفة وعرفانا، فهو على هذين الإعرابين يكون الإجمال راجعا إلى المعرفة، وأما عوده إلى الدلائل فهو وإن كان صحيحا من جهة المعنى لكن هذا الإعراب لا يساعده، ويجوز أن يكون حالا، واغتفر فيه التذكير لكنه مصدر، وفي بعض الشروح أن إجمالا منصوب على المصدر أو على التمييز وهو خطأ لما قلناه قوله:"وكيفية الاستفادة منها" هو مجرور بالعطف على دلائل، أي معرفة دلائل الفقه، ومعرفة كيفية استفادة الفقه من تلك الدلائل أي استنباط الأحكام الشرعية منها، وذلك يرجع إلى معرفة شرائط الاستدلال كتقديم النص على الظاهرة والمتواتر على الآحاد ونحوه، كما سيأتي في كتاب التعادل والترجيح، فلا بد من معرفة تعارض الأدلة ومعرفة الأسباب التي يترجح بها بعض الأدلة على بعض، وإنما جعل ذلك من أصول الفقه لأن المقصود من معرفة أدلة الفقه في استنباط الأحكام منها، ولا يمكن الاستنباط منها إلا بعد معرفة التعارض والترجيح لأن دلائل الفقه مفيدة للظن غالبا والمظنونات قابلة للتعارض محتاجة إلى الترجيح فصار من