للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن المعارض. الدليل الثاني: أنهم لو لم يكونوا مكلفين بالفروع ما أوعدهم الله تعالى عليها, لكن الآيات الموعدة بتركها أي: بسبب تركها, كثيرة منها قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٦, ٧] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: ٦٨] إلى قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقوله: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [القيامة: ٣١] وقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثرك ٤٢, ٤٣] الآية, فثبت كونهم مكلفين ببعض الأوامر وبعض النواهي، فكذلك الباقي إما قياسا، أو لأنه لا قائل بالفرق، وذكر في المحصول في هذه الآية الأخيرة مباحث كثيرة منها أن هذا التعليل حكاية عن قول الكفار فلا يكون حجة، وأجاب بأن ذلك يجب أن يكون صدقا؛ لأنه لو كان كذبا "مع أنه تعالى ما بين كذبهم" لما كان في حكايته فائدة، وكلام الله تعالى متى أمكن حمله على ما هو أكثر فائدة وجب المصير إليه، والذي ذكره مشتمل على قاعدتين نافعتين في مواضع، والموعد المذكور في كلام المصنف اسم فاعل من: أوعد, قال الجوهري: أوعد عند الإطلاق يكون للشر ووعد في الخير, وأنشد:

وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

الدليل الثالث: أنهم مكلفون بالنواهي بدليل وجوب حد الزنا عليهم, فيكونون مكلفين بالأمر قياسا عليها والجامع بينهما كما قال في المحصول والمنتخب هو إحراز المصلحة الحاصلة في النهي بسبب ترك المنهي عنه, وفي الأمر بسبب فعل المأمور به، ويمكن أن يقال: الجامع بينهما هو الطلب. قوله: "قيل: الانتهاء ممكن" أي: اعترض القائلون بالفرق بين الأوامر والنواهي على القياس بأن النهي يقتضي الانتهاء عن المنهي عنه، والانتهاء عنه مع الكفر ممكن، والأمر يقتضي الامتثال، والامتثال مع الكفر غير ممكن؛ لأن النية في الامتثال لا بد منها، ونية الكافر غير معتبرة، وأجاب في المحصول بأن الفعل والترك المجردين عن النية لا يتوقفان على الإيمان، والإتيان بهما لغرض امتثال حكم الشرع يتوقف على الإيمان، فاستوى الانتهاء والامتثال، وبطل الفرق فإن الترك بغير نية الامتثال كافٍ في إسقاط التكليف فكذلك الفعل. قال المصنف: وفيه نظر ولم يبينه، وتقريره أن الترك على ثلاثة أقسام, أحدها: أن يكون للعجز فقط, فهذا غير مثاب بل معاقب على القصد. والثاني: أن يكون القصد الامتثال, فهذا خارج عن العهدة ومثاب. والثالث: أن لا يقصد شيئا البتة كمن لم تطالبه نفسه بشرب الخمر أو غيره من المنبهات, فلا يمكن القول بتأثيمه لحصول المطلوب منه وهو إعدام المفسدة، وفي ثوابه نظر، ومثل هذا لا يكفي في الفعل فإن الواجب لا يخرج عن عهدته إلا بالنية، واعتقاد وجوبه، وذلك فرع عن الإيمان، وإذا تقرر هذا صح الفارق وهو كون الانتهاء ممكنا دون الامتثال، وحينئذ فيبطل احتجاجنا على الخصم المفصل بالقياس، وإذا كان هذا الجواب عند المصنف لا يستقيم، فجوابه من أوجه:

<<  <   >  >>