للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعطف عليه وذلك قولهم: ما صنعت وأباك, ولو تركت الناقة وفصيلَها لرضعها.

قال سيبويه: إنما أردت: ما صنعت مع أبيك, ولو تركت الناقة مع فصيلها والفصيل مفعول معه. والأب كذلك والواو لم تغير المعنى. ولكنها تعمل في الاسم ما قبلها. ومثل ذلك: ما زلت وزيدًا, أي: ما زلت بزيد حتى فَعَلَ فهو مفعول به١ فقد عمل ما قبل الواو, فيما بعدها والمعنى معنى الباء, ومعنى "مع" أيضا يصلح في هذه المسألة, لأن الباء يقرب معناها من معنى "مع"٢ إذ كانت الباء معناها الملاصقة للشيء, ومعنى "مع" المصاحبة ومن ذلك: ما زلت أسير والنيل واستوى الماء, والخشبة أي: مع الخشبة وبالخشبة وجاء البرد والطيالسة, أي: مع الطيالسة وأنشد سيبويه:

وكُوُنُوا أَنْتُمُ وَبَني أَبِيكُمْ ... مَكَانَ الكُلْيَتيْن مِنَ الطَّحَالِ٣


١ الكتاب جـ١/ ١٥٠. قال: وما زلت أسير والنيل، أي: مع النيل، واستوى الماء والخشبة، أي: بالخشبة، وجاء البرد والطيالسة، أي: مع الطيالسة.
٢ تكون الباء بمعنى "مع" وهي التي يقال لها باء المصاحبة، نحو: دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به واشترى الدار بآلاتها. قيل: ولا تكون بهذا المعنى إلا مستقرا أي: كائنين بالكفر وكائنة بالآتها، والظاهر لا مانع من كونها لغوا، ومن ذلك قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} ، أي: انزل مع سلام، والفرق بينها وبين الإلصاق، أن الإلصاق يستلزم المصاحبة من غير عكس. وانظر: شرح التصريح ٢/ ١٢، وتحفة الإخوان ١٦.
٣ من شواهد سيبويه ١/ ١٥٠ على أرجحية النصب على المعية، لأن العطف حسن من جهة اللفظ وفيه تكلف من جهة المعنى، لأن المراد: كونوا لبني أبيكم، فالمخاطبون هم المأمورون، فإذا عطفت كان التقدير: كونوا لبني أبيكم وليكن بنو أبيكم لكم، وذلك خلاف المقصود قال العيني: قوله: وبني أبيكم أراد بهم الإخوة والمعنى: كونوا أنتم مع إخوتكم متوافقين متصلين اتصال بعضكم ببعض كاتصال الكليتين وقربهما من الطحال.
وأراد الشاعر بهذا الحث على الائتلاف والتقارب في المذهب. وضرب لهم مثلا بقرب الكليتين من الطحال. ولم ينسب هذا البيت لقائل معين. وانظر: مجالس ثعلب/ ٢٥، وشرح السيرافي ٢/ ٧٩، والمفصل للزمخشري ٥٦، وابن يعيش ٢/ ٤٨، والعيني ٣/ ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>