للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما إنْ طبنَا جُبنٌ١

ثم قال٢: والدليل على ما قال سيبويه: أنَّ هذا السؤال لا يلزمُ أنَّ "مَنْ" تكونُ لِما يعقل في الجزاء والاستفهام, ومعنى الذي فهي حيث تصرفتْ واحدة و"ما" واقعة على كل شيء غير الناس، وعلى صفات الناس وغيرهم حيث وقعت فهي واحدة وكذلك هذه الحروف، و"إنْ" للجزاء لا تخرجُ عنه, وتلك الحروف التي هي "إنْ" للنفي ومخففة من الثقيلة, وزائدة ليسَ على معنى "إنْ" الجزاء ولا منها في شيءٍ, وإنْ وقع اللفظان سواء فإنهما حرفانِ بمنزلةِ الاسم والفعل إذا وقعا في لفظ وليس أحدهما مشتقا من الآخر: نحو قولِكَ: هذا ذهبٌ وأنت تعني التِّبْر وذهب من الذهاب, ونحو قولِكَ: زيدٌ على الجبَلِ وعلا الجبلَ, فهذا فعلٌ، والأول حرفٌ قال: وسألت أبا عثمان عن "ما" و"مَنْ" في الاستفهام والجزاء أمعرفة هما أم نكرةٌ؟ فقال: يجوز أن يكونا معرفة وأن يكونا نكرة, فقلت: فأيُّ, ما تقول فيها؟ قال: أنا أقول: إنَّها مضافة معرفة ومفردة نكرة والدليل على ذلك أنك تقول: أية صاحبتُكَ ولو كانت معرفةً لم تتصرفْ. قال: وكان الأخفش يقول: هي معرفة ولكن أَنونُ لأن التنوينَ وقع وسط الاسم, فهو بمنزلة امرأةٍ سميتَها خيرًا منكَ, وكانَ غيرهُ لا يصرفها ويقول: أيّة صاحبتُك؛ لأنّها معرفةٌ. وشرح أبو العباس ذلك فقالَ: إن مَنْ وما وأيُّ مفردة نكراتٍ, وذلك أنَّ أيًّا منونةٌ في التأنيث، إذا قلت: أيّةٌ جاريتُكَ وقول الأخفش: التنوينُ وقعَ وسطًا غَلَط؛ وذاك لأنَّ "أَيّ" في الجزاء والاستفهام لا صلة لها "ومَنْ وما" إذا كانتا خبرًا فإنهما يعرفانِ بصلتهما, فقد حذفَ ما كان يعرفهما فهما بمنزلة "أي" مفردةً, ومن الدليل على أنهن نكراتٌ، أنك


١ يشير إلى قول الشاعر فروة بن مسيك:
وما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
وقد مر تفسيره في الجزء الأول/ ٢٦٥.
٢ الذي قال المبرد، انظر المقتضب ١/ ٥١، ٢/ ٣٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>