للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسأل بمنْ سؤالًا شائعًا، ولو كنتَ تعرف ما تسأل عنه لم يكنْ للسؤال عنه وجه، فالتقدير فيها على ما ذكرنا إذا قلت: ما زيدٌ؟ وأيُّ زيدٍ؟ وما عندك؟ وأيُّ رجلٍ؟ وأي شيءٍ؟ فإذا قلت: أَيهم وأيُّ القومِ زيدٌ؟ فقد اختصصتَه من قوم فأضفته إليهم، والتقدير: أهذا زيدٌ منَ القومِ أم هذا للاختصاصِ؟ فلذلك كانت بالإِضافة معرفةً وفي الإِفراد نكرةً. وقال سيبويه: سألتُ الخليلَ عن "كيفَ": لِمَ لَمْ يجازوا بها؟ فقالَ: هي فيه مستكرهةٌ وأصلها من الجزاء ذلك لأنَّ معناها على أي حالٍ تكن أكن١. وقال محمد بن يزيد: والقول عندي في ذلك أنَّ علة الجزاءِ موجودةٌ في معناها، فما صَحَّ فيهِ معنى الجزاء جوزيَ بهِ وما امتنعَ فلا جزاءَ فيهِ وإنما امتنعت "كيفَ" من المجازاة؛ لأن حروف الجزاء التي يستفهم بها كانت استفهامًا قبل أن تكون جزاءً، والدليلُ على تقديم الاستفهام وتمكنه, أنَّ الاستفهام يدخل على الجزاء كدخوله على سائر الأخبارِ فتقول: أَإِنْ تأتني آتِكَ ونحوه, ولا يدخلُ الجزاء على الاستفهام ثم رأيتَ أنه ما كان من حروف الاستفهام متمكنًا يقعُ على المعرفة والنكرة جوزيَ به؛ لأنَّ حروفَ الجزاء الخالصة تقع على المعرفة والنكرة, تقول: إنْ تأتني زيدٌ آتِه وإن يأتني رجلٌ أَعطهِ، فكذلك من وما وأي وأينَ ومتَى وأنّى. وذلك إذا قلت في الاستفهام: من عندك؟ جاز أن تقول: زيدٌ أو رجل أو امرأةٌ وكذلك كلما ذكرنا من هذه الحروف. وأما كيف فحقّ جوابها النكرة وذلك قولك كيف زيدٌ؟ فيقالُ: صالحٌ أو فاسدٌ ولا يقالُ: الصالح ولا أخوكَ؛ لأنَّها حالٌ والحالُ نكرةٌ وكذلك "كم" لم يجازوا بها لأنَّ جوابها لا يكون نكرةً إذا قال: كمْ مالُكَ؟ فالجواب: مائةٌ أو ألفٌ أو نحو ذلك, والكوفيون يدخلون "كيف وكيفما" في حروف الجزاء٢، ولو جازت العرب بها


١ انظر الكتاب ١/ ٤٣٣.
٢ انظر الإنصاف/ ٣٣٧-٣٤٠ مسألة شرحها ابن الأنباري عن المجازاة بكيف عند الكوفيين, وامتناع ذلك لدى البصريين.

<<  <  ج: ص:  >  >>