للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ ... أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وبَاطِلُ١

وأما إجراؤهم إياه مع "مَا" بمنزلة اسم واحد فهو قولك: ماذا رأيتَ؟ فتقولُ: خيرًا, كأنك قلت: مَا رأيتَ؟ [ومثل ذلكَ قولهم] ٢: ماذا تَرى؟ فتقول: خيرًا٣ وقال الله٤: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قَالُوا: خَيْرًا} ٥ [كأنه قال: ما أنزلَ ربكم؟ قالوا: خيرًا, أي: أَنزل خيرًا"٦ فلو كان "ذَا" لغوًا لَمَا قالت العربُ: عما ذا تسألُ؟ ولَقالوا: عَمَّ ذَا تسألُ؟ ولكنهم جعلوا "مَا وذَا" اسمًا واحدًا كما جَعلوا "مَا وإنَّ" حرفًا واحدًا حين قالوا: "إنَّما" ومثل ذلكَ كأنَّما و"حيثُما" في الجزاء ولو كان "ذَا" بمنزلة "الذي" في هذا الموضع ألبتة لكان الوجه في "ماذا رأيتُ؟ " إذا أراد الجواب أن تقول: خيرٌ٧، فهذا الذي ذكر سيبويه بَيّنٌ واضح من استعمالهم "ذَا" بمنزلة "الذي"، فأما أنْ تكون "الذي" هي "ذَا" فبعيدٌ جدا، ألا ترى أنَّهم حين استعملوا "ذَا" بمنزلة "الذي" استعملوها بلفظها ولم يغيروها، والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه والله أعلم, ولا يعرف له نظير في كلامهم. ومَنْ


١ من شواهد سيبويه ١/ ٤٠٥، على رفع "نحب" وما بعده، وهو مردود على "ما" في قوله: ماذا، فدل ذلك على أن "ذا" في معنى الذي، وما بعده من صلته. والنحب: النذر، يقول: ألا تسألان مجتهدًا في أمر الدنيا وتتبعها، فكأنما أوجب على نفسه ذلك نذرًا يجري إلى قضائه وهو منه في ضلال.
وانظر: شرح السيرافي ٣/ ١٨٢, وابن يعيش ٣/ ١٤٩, والمغني/ ٣٣٢, والتصريح ١/ ١٣٩, والخزانة ٢/ ٥٥٦، واللسان "نحب", والسيوطي/ ٧١١, والأشموني ١/ ٧٩, والشعراء المخضرمين د. الحبوري/ ٢٣٧, والديوان ٢٥٤ "ط. ليبسك".
٢ ما بين القوسين ساقط في "ب".
٣ في "ب" خير، بالرفع.
٤ وقال الله، ساقط من "ب".
٥ النحل: ٣٠، وانظر الكتاب ١/ ٤٠٥.
٦ زيادة من "ب".
٧ انظر الكتاب ١/ ٤٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>