للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أظهرت زيدًا غير مجرور قلت: أعطى زيد درهمًا, وكسى زيد ثوبًا, فهذا وجه الكلام, ويجوز أن تقول: أعطى زيدًا درهم, وكسى زيدًا ثوب, كما كان الدرهم والثوب مفعولين, وكان لا يلبس على السامع الآخذ من المأخوذ جاز, ولكن لو قلت: أعطى/٦١ زيد عمرًا, وكان زيد هو الآخذ لم يجز أن تقول: أعطى عمرو زيدًا, لأن هذا يلبس إذ كان يجوز أن يكون كل واحد منهما آخذًا لصاحبه, وهو لا يلبس في الدرهم وما أشبه, لأن الدرهم لا يكون إلا مأخوذًا, وإنما هذا مجاز والأول الوجه. ومن هذا: أدخل القبر زيدًا, وألبستُ الجبة زيدًا, ولا يجوز على هذا, ضرب زيدًا سوطٌ, لأن سوطًا في موضع قولك: ضربةً بسوطٍ١ فهو مصدر. واعلم: أنه يجوز أن تقيم المصادر والظروف من الأزمنة والأمكنة مقام الفاعل في هذا الباب إذا جعلتها مفعولات على السعة وذلك نحو قولك: سير بزيد سير شديد, وضرب من أجل زيد عشرون سوطًا, واختلف به شهران, ومضى به فرسخان, وقد يجوز نصبها على الموضع, وإن كنت لم تقم المجرور مقام الفاعل, أعني قولك: بزيد على أن تحذف ما يقوم مقام الفاعل وتضمره/٦٢ وذلك المحذوف على ضربين: إما أن يكون الذي قام مقام الفعل مصدرًا استغني عن ذكره بدلالة الفعل عليه, وإما أن يكون مكانًا دلَّ الفعل عليه أيضًا إذ كان الفعل لا يخلو من أن يكون في مكان كما أنه لا بد من أن يكون مشتقا من مصدره نحو قولك: سير بزيد فرسخًا أضمرت السير, لأن "سير" يدل على السير, فكأنك قلت: سير السير بزيد فرسخًا, ثم حذفت السير فلم تحتج إلى ذكره معه, كما تقول: من كذب كان شرا له, تريد: كان الكذب شرا له. ولم تذكر الكذب لأن "كذب" قد دل عليه ونظيره قوله تعالى: {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُم} ٢. يعني البخل الذي دل عليه "يبخلون" وأما الذي يدل عليه الفعل من المكان فأن تضمر في


١ في الأصل "بصوت" وليس له معنى.
٢ آل عمران: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>