هذه المسألة ما يدل عليه "سير" نحو الطريق وما أشبهه من الأمكنة. ألا ترى أن السير لا بد أن يكون في طريق, فكأنك/ ٦٣ قلت: سير عليه الطريق فرسخًا, ثم حذفت لعلم المخاطب بما تعني, فقد صارَ في "سيرَ بزيدٍ" ثلاثة أوجه:
أجودها أن تقيم, "بزيد" مقام الفاعل, فيكون موضعه رفعًا, وإن كان مجرورًا في اللفظ, وقد أريناك مثل ذلك.
والوجه الثاني: الذي يليه في الجودة أن تريد المصدر فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه.
والوجه الثالث: وهو أبعدها أن تريد المكان فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه. واعلم: أنك إذا قلت: سير بزيد سيرًا, فالوجه النصب في "سير" لأنك لم تفد بقولك "سيرًا" شيئًا لم يكن في "سير" أكثر من التوكيد, فإن وصفته فقلت: شديدًا أو هينًا, فالوجه الرفع لأنك لما نعته قربته من الأسماء وحدثت فيه فائدة لم تكن في "سير" والظروف بهذه المنزلة, لو قلت: سير بزيد مكانًا أو يومًا لكان الوجه النصب, فإن قلت: يوم كذا أو مكانًا بعيدًا أو قريبًا اختير الرفع والتقديم والتأخير والإِضمار والإِظهار في الاسم الذي قام مقام الفاعل ولم/ ٦٤ يسم من فعل به مثله في الفاعل يجوز فيه ما جاز في ذلك لا فرق بينهما في جميع ذلك, وتقول: كيف أنت إذا نحى نحوك ونحوك على ما فسرنا, فإن قلت: نحى قصدك فالاختيار عند قوم من النحويين النصب لمخالفة لفظ الفعل لفظ المصدر, والمصادر والظروف من الزمان والمكان لا يجعل شيء منها مرفوعًا١ في هذا الباب حتى يقدر فيه أنه إذا كان
١ مذهب البصريين إلا الأخفش، أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله مفعول به ومصدر. وظرف وجار ومجرور، تعين إقامة المفعول به مقام الفاعل، ولا يجوز إقامة غيره مقامه مع وجوده، وما ورد من ذلك شاذ أو مئول، ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره وهو موجود: تقدم أو تأخر، فتول: ضرب ضرب شديد زيدا، وضرب زيدا ضرب شديد، وكذلك في الباقي، واستدلوا لذلك بقراءة أبي جعفر: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} .. شرح ابن عقيل: ٢/ ٦٧.