للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي مسعود وفي حديث مالك بن الحويرث: "وليؤمكما أكبركما" وهو في الصحيحين وغيرهما, وقد استخلف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى. والحاصل: أن الشارع اعتبر الأفضلية في القراءة والعلم بالسنة وقدم الهجرة وعلو السن فلا ينبغي للمفضول في مثل هذه الأمور أن يؤم الفاضل إلا بإذنه ولا اعتبار بالفضل في غير ذلك. والأولى أن يكون الإمام من الخيار لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله وسلم عليه: "اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم". رواه الدارقطني, وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله وسلم عليه: "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" قال في منح المنة: وكان صلى الله وسلم عليه يجيز إمامة الأرقاء وكان سالم مولى أبي حذيفة يصلي بالمهاجرين الأولين لما نزلوا بقباء١ لكونه أكثرهم قرآنا وكان صلى الله وسلم عليه يقول: "صلوا خلف كل بر وفاجر" وكانت الصحابة خلف الحجاج وقد أحصي الذين قتلهم من الصحابة والتابعين فبلغوا مائة ألف وعشرين ألفا اهـ. أقول: الأحاديث الواردة في الصلاة خلف كل بر وفاجر وما قابلها من الأحاديث المقضية للمنع من الصلاة خلف الفاجر ومن كان ذا جرأة لم يبلغ منها شيء إلى حد يجوز العمل عليه فوجب الرجوع إلى الأصل, وأما عدم اعتبار قيد العدالة فلعدم ورود دليل يدل عليه, وأما كون الصلاة خلف كامل العدالة واسع العلم كثير الورع أفضل وأحب فلا نزاع في ذلك إنما النزاع في كون ذلك شرطا من شروط الجماعة مع أنه قد ثبت ما يدل على عدم الاعتبار مثل حديث: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطؤوا فعلى أنفسهم" أو كما قال وهو حديث صحيح. والحاصل: أن الدين يسر وقد جاءنا صلى الله وسلم عليه بالشريعة السمحة السهلة ولم يأمرنا بالكشف عن الحقائق وسن أن نصلي بعد من كان بالنسبة إلى الواحد منا في الحضيض باعتبار المزايا الموجبة للفضل فإنه صلى الله وسلم عليه بعد أبي بكر وعتاب بن أسيد وهما بالنسبة إليه لا يعدان شيئا ولا ريب أن الذي ينبغي تقديمه لمثل هذه العبادة ليكون وافد المؤتمين به إلى الله هو من أرشد إليه


١ في المصباح: موضع بقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الجنوب نحو ميلين وهو بضم القاف يقصر ويمد ويصرف ولا يصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>