للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علي هذا المقدار وتتم بعد ذلك ولله در الحبر ابن عباس ما أفقهه وما أفهمه للمقاصد الشرعية فإنه قال فيما رواه عنه البخاري وغيره: لما فتح النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مكة أقام فيها تسع عشرة يصلي ركعتين. قال: فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا وإن زدنا أتممنا. وأقول: هذا الفقه الدقيق والنظر المبني على أبلغ تحقيق ولو قال له جابر أقمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين ليلة نقصر الصلاة لقال بموجب ذلك. قال الماتن: وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي انتهى.

أقول: الظاهر فيمن أقام ببلد وحط الرحل يوما بعد يوم وليلة بعد ليلة أنه لا يقصر الصلاة لأنه غير مسافر فلو لم يرد الدليل الدال على أن من أقام عازما على السفر كان له حكم المسافر لم يثبت القصر في حقه فينبغي أن يقتصر على ما ورد ولا يجاوز. أما مع التردد وعدم العزم على إقامة أيام معينة فلا يزال يقصر المسافر حتى يبلغ مدة إقامته مقدار المدة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الفتح وأكثر ما قيل عشرون ليلة, وقد روي أنه أقام في غزوة تبوك بمكان نحو ذلك وروي أكثر فإن قيل إن الاقتصار على مقدار إقامته صلى الله عليه وسلم وعدم تجويز القصر فيما زاد عليها لا يصلح للتمسك به لأنه مجرد فعل لا دلالة فيه على قصر الجواز على تلك المدة, ومن أين لنا أنه لو عرض له ما يوجب إقامته فوق تلك المدة لما قصر الصلاة بل كان يتمها؟ فيقال هذا صحيح ولم نقل إن هذا الفعل يدل بمجرده على ذلك بل قلنا إن من حط رحله بمحل فالظاهر أنه في ذلك الوقت غير مسافر فيما كان من الإقامة زائدا على ما يعتاده المسافرون من الإراحة لأنفسهم ودوابهم يوما أو بعض يوم وليلة أبو بعض ليلة فإذا سمي بعد إقامته أياما مسافرا فهذه التسمية غير مناسبة لما هو الظاهر فوجب الاقتصار على مقدار المدة التي أقامها الشارع وقصر الصلاة فيها. وقال: "إنا قوم سفر" ومن زعم جواز القصر فيما زاد عليها فعليه الدليل, وأما إذا نوى إقامة أيام معينة فقد وقع الاضطراب في ذلك فقيل: أربعة أيام فإن نوى إقامة أكثر منها قصر. واستدل هذا القائل بإقامته صلى الله عليه وسلم في مكة في حجة الوداع أربعة أيام يقصر الصلاة, ووجه الاستدلال بهذا كالوجه الذي ذكرناه مع التردد سواء بسواء وهو أشف ما قيل وغاية ما تمسك به

<<  <  ج: ص:  >  >>