للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الأقوال الآخرة ما روي عن جماعة من الصحابة من الاجتهادات المختلفة ولا حجة في ذلك وما يقال من أنها بمنزلة المرفوع لكونها ليست من مسارح الاجتهاد فمردود على أن التقدير بالأربع مع كونه أشف ما قيل كما ذكرنا يمكن أن يقال عليه إنما يتم الاستدلال به بعد ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم عزم على إقامة الأربع ولم ينقل ذلك ويمكن أن يجاب بأن أعمال الحج لا يمكن الإتيان بها في دون تلك المدة فالعزم على الإقامة قدرها لا بد منه, وأما ما روي عن أنس أنه قال: أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرا فهو محمول على جميع أيام الإقامة بمكة ونواحيها, وأما نفس الإقامة بمكة فليست إلا أربعة أيام فليعلم. وإذا عزم على إقامة أربع أتم بعدها وجهه ما عرفناك من أن المقيم لا يعامل معاملة المسافر إلا على الحد الذي ثبت عن الشارع ويجب الاقتصار عليه وقد ثبت عنه مع التردد ما قدمنا ذكره, وأما مع عدم التردد بل العزم على إقامة أيام معينة فالواجب الاقتصار على ما اقتصر عليه صلى الله تعالى وآله وسلم مع عزمه على الإقامة في أيام الحج فإنه ثبت في الصحيحين أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى فلما أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة مع كونه لا يفعل ذلك إلا عازما على الإقامة إلى أن يعمل أعمال الحج كان ذلك دليلا على أن العازم على إقامة مدة معينة يقصر إلى تمام أربعة أيام ثم يتم وليس ذلك لأجل كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أقام زيادة على الأربع لأتم فإنا لا نعلم ذلك ولكن وجهه ما قدمنا من أن المقيم العازم على إقامة مدة معينة لا يقصر إلا بإذن كما أن المتردد كذلك, ولم يأت الإذن بزيادة على ذلك ولا ثبت عن الشارع غيره. قال الشافعي: لو نوى إقامة أربعة أيام بموضع انقطع سفره بوصوله. قال في المنهاج: ولا يُحسب منها يوما دخوله وخروجه على الصحيح, وقال أبو حنيفة: لا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلدة أو قرية خمسة عشر يوما, وقول أكثر أهل العلم: إنه يقصر أبدا ما لم يجمع إقامة١ واختلف أصحاب الشافعي في حكاية مذهبه وحكاية البغوي أنه إذا لم يجمع الإقامة فزاد مكثه على أربعة


١ أي يعزم على الإقامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>