للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحيحين وغيرهما من حديث خباب بن الأرت. "ولا بأس بالزيادة مع التمكن من غير مغالاة" لما وقع منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في كفن ابنته فإنه كان يناول النساء ثوبا ثوبا وهو عند الباب فناولهن الحقو ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر أخرجه أحمد وأبو داود من حديث ليلى بنت قائف الثقفية, وقد كفن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ثلاثة اثواب سحولية١ جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجا, وهو في الصحيحين. وأخرج أبو داود من حديث علي: "لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا". أقول: أراد العدل بين الإفراط والتفريط وأن لا ينتحلوا عادة الجاهلية في المغالاة والحاصل: أنه لا ريب في مشروعية الكفن للميت ولا شك في عدم وجوب زيادة على الواحد ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم كون الكفن على صفة من الصفات أوعدد من الأعداد إلا ما كان منه صلى الله عليه وسلم في تكفين ابنته أم كلثوم, وهذا الحديث وإن كان فيه مقال لكنه لا يخرج به عن حد الاعتبار فغاية ما يقال إنه يستحب أن يكون كفن المرأة على هذه الصفة, وأما كفن الرجل فلم يثبت عنه إلا الأمر بالتكفين في الثوب الواحد كما في قتلى أحد, وفي الثوبين كما في المحرم الذي وقصته ناقته وليس تكثير الأكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود فإنه لولا ورود الشرع به لكان من إضاعة المال, لأنه لا ينتفع به الميت ولا يعود نفعه على الحي ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال: "إن الحي أحق بالجديد" لما قيل له عند تعيينه لثوب من أثوابه في كفنه: "إن هذا خلق٢" والأولى أن يكون الكفن من الأبيض لحديث: "ألبسو من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه والشافعي وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان وفي معناه أحاديث أخر عن عمران وسمرة وأنس وابن عمر وأبي الدرداء. "ويكفن الشهيد في ثيابه التي قتل فيها" فقد كان ذلك صنيعه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الشهداء المقتولين معه, وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد بالشهداء


١ بفتح السين وضمها نسبة إلى سحول قرية باليمن قال ابن الأعرابي وغيره هي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن.
٢ بفتح اللام وهو الثوب البالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>