للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزكاة ما يفيد هذا. أقول: ليس من الورع ولا من الفقه أن يوجب الإنسان على العباد ما لم يوجبه الله عليهم بل ذلك من الغلو المحض, والاستدلال بمثل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} يستلزم وجوب الزكاة في كل جنس من أجناس ما يصدق عليه اسم المال, ومنه الحديد والنحاس والرصاص والثياب والفراش والحجر والمدر وكل ما يقال له مال على فرض أنه ليس من أموال التجارة, ولم يقل بذلك أحد من المسلمين وليس ذلك لورود أدلة تخصص الأموال المذكورة من عموم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} حتى يقول قائل إنها تجب زكاة ما لم يخصه دليل لبقائه تحت العموم بل الذي شرع الله فيه الزكاة من أموال عباده هو أموال مخصوصة وأجناس معلومة ولم يوجب عليها الزكاة في غيرها فالواجب حمل الإضافة في الآية الكريمة على العهد لما تقرر في علم الأصول والنحو والبيان أن الإضافة تنقسم إلى الأقسام التي تنقسم إليها اللام ومن جملة أقسام اللام العهد بل قال المحقق الرضي: إنه الأصل في اللام إذا تقرر هذا فالجواهر واللآليء والدر والياقوت والزمرد والعقيق واليسر وسائر ما له نفاسة وارتفاع قيمة لا وجه لإيجاب الزكاة فيه, والتعليل للوجوب بمجرد النفاسة ليس عليه أثارة من علم, ولو كان ذلك صحيحا لكان في المصنوعات من الحديد كالسيوف والبنادق ونحوها ما هو أنفس وأعلى ثمنا ويلحق بذلك الصين والبلور واليشم وما يتعسر الإحاطة به من الأشياء التي فيها نفاسة وللناس إليها رغبة فما أحسن الإنصاف والوقوف على الحد الذي رسمه الشارع وإراحة الناس من هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان على أن الآية التي أوقعت كثيرا من الناس في إيجاب الزكاة فيما لم يوجبه الله وهي: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} قد ذكر أئمة التفسير أنها في صدقة النفل وليست في صدقة الفرض التي نحن بصددها, وأموال التجارة لما قدمنا من عدم قيام دليل يدل على ذلك وقد كانت التجارة في عصره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قائمة في أنواع مما يتجر به ولم ينقل عنه ما يفيد ذلك, وأما ما أخرجه أبو داود والدارقطني والبزار من حديث جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يأمرنا بأن نخرج الزكاة فيما نعد" فقال ابن حجر في التلخيص: إن في إسناده جهالة, وأما ما رواه الحاكم والدارقطني عن عمران مرفوعاً بلفظ: "في الإبل صدقتها وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>