للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معارضة أحدهما بالآخر وإلغاء أحدهما بالكلية فإن طاعة الرسول فرض في هذا وفي هذا ولا تعارض بينهما بحمد الله تعالى من الوجوه فإن قوله: "فيما سقت السماء العشر" إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصفه فذكر النوعين مفرقا بينهما في مقدار الواجب, وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث وبينه نصا في الحديث الآخر فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما أُوِّل عليه البتة إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يُتعلق فيه بعموم لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص انتهى. أقول: الأحاديث القاضية بإيجاب العشر أو نصف العشر تقتضي التسوية بين القليل والكثير وأحاديث لا زكاة فيما دون خمسة أوسق تقتضي اختصاص الوجوب بمقدار معلوم هو الخمسة الأوسق وعدم الوجوب فيما دونها فالأحاديث الأولة١ عامة لقليل ما أخرجت الأرض من الأنواع المخصوصة ولكثيره والأحاديث الثانية خاصة ببعض ذلك الخارج دون بعض مصرحة بنفي الوجوب عن دون الخمسة الأوسق بمنطوقها مثبتة لوجوبها في الخمسة فصاعدا بمفهومها وهي أحاديث صحيحة فإهمالها مع كونها خاصة والرجوع إلى العامة خارج عن سنن الإنصاف ولم يكن بيد من أهملها شيء يدفعها إلا مجرد تكليف العباد بما هو أشق الشكوك كشكوك الموسوسين في الطهارة. وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة" ثبت هذا عنه في حديث واحد فكان على من أوجب الزكاة فيما دون خمسة أوسق أن يوجبها فيما دون خمس أواق وخمس ذود بل يوجبها فيما دون الأربعين من الغنم والثلاثين من البقر تمسكا بالعمومات القاضية بوجوب أصل الزكاة في الأموال فإنه لا فرق بينها وبين حديث: "فيما أخرجت الأرض العشر" وليست المكيلات بالشك أولى من غيرها والله المستعان. وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق مما أخرجت الأرض والمقام وإن كان حقيقا بأن يقع الإجماع


١ بفتح الواو المشددة قال ثعلب: هن الأولات والآخرات خروجا واحدتها الأولة والآخرة ثم قال ليس هذا من أصل الباب إنما أصل الباب الأول والأولى كالأطول والطولى. قاله في اللسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>