شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة١, قيل لا ينقصان معا وقيل لا يتفاوت أجر ثلاثين وتسعة وعشرين وهذا الآخر أقعد بقواعد التشريع كأنه أراد سد أن يخطر في قلب أحد ذلك انتهى. أقول: يمكن أن يقال: إن هذا إخبار من الشارع بعدم دخول النقص في الشهرين المذكورين فما ورد عنه أنه يكون الشهر تسعة وعشرين عام مخصص بالشهرين المذكورين وما ورد في خصوص شهر رمضان مما يدل على أنه قد يكون تسعة وعشرين فيمكن أن يقال فيه إن ذلك إنما هو باعتبار ما ظهر للناس من طلوع الهلال عليهم وفي نفس الأمر ذلك الشهر هو ثلاثون يوما. قال بعض المحققين: التكليف الشهري علق معرفة وقته برؤية الهلال دخولا وخروجا أو إكمال العدة ثلاثين يوما فهل في الأكوان أوضح من هذا البيان والتوقيت في الأيام والشهور بالحساب للمنازل القمرية بدعة باتفاق الأمة انتهى. أقول: إن الرؤية التي اعتبرها الشارع في قوله: "صوموا لرؤيته" هي الرؤية الليلية لا الرؤية النهاية فليست بمعتبرة سواء كانت قبل الزوال أو بعده ومن زعم خلاف هذا فهو عن معرفة المقاصد الشرعية بمراحل واحتجاج من احتج برؤية الذين أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم رأوه بالأمس باطل كاحتجاج من احتج على وجوب الإتمام بقول تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وكلا الدليلين لا دلالة لهما على محل النزاع, وأما الأول فإنهم إنما أخبروا عن الرؤية في الوقت المعتبر وذلك مرادهم بلفظ أمس كما لا يخفى على عالم, وأما الثاني فالمراد به وجوب إتمام الصيام إلى الوقت الذي يسوغ فيه الإفطار تعيينا لوقته الذي لا يكون صوما بدونه. والحاصل: أن المجادلة عن هذا القول الفاسد وهو الاعتداد برؤية الهلال نهارا يأباه الإنصاف وإن قال المتخذلق إن الاعتبار بالرؤية وقد وقعت لحديث: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" والاعتبار بعموم اللفظ ونحو ذلك من المجادلات التي لا يجهل صاحبها أنه غالط أو مغالط ولو كان هذا صحيحا لوجب الإفطار عند كل رؤية للهلال في أي وقت من أوقات الشهر وهو باطل بالضرورة الدينية. "وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة" وجهه الأحاديث المصرحة بالصيام
١ هذا لفظ الترمذي ورواه البخاري بلفظ: "شهران لا ينقصان شهرا عيد رمضان وذو الحجة. انظر فتح الباري جزء ٤ ص ٨٧- ٨٩.