الاختلاف سبيه سبيل الاختلاف في الاجتهادات. أما أنه سعى تارة أخرى بعد طواف الزيارة سواء قيل بالتمتع أو القران فإنه لم يثبت في الروايات المشهورة بل ثبت عن جابر أنه لم يسع بعده انتهى. قال النووي في شرح صحيح مسلم: وأما إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه فأخذ بالأفضل فأحرم مفردا للحج وبه تظاهرت الروايات الصحيحة. وأما الروايات بأنه كان متمتعا فمعناها أمر بت. وأما الروايات بأنه كان قارنا فإخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه بل إخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدي وكان هو صلى الله عليه وسلم ومن معه هدي في آخر إحرامهم قارنين يعني أنهم أدخلوا العمرة على الحج وفعل ذلك مواساة لأصحابه وتأنيسا لهم في فعلها في أشهر الحج لكونها كانت منكرة عندهم في أشهر الحج ولم يمكنه التحلل معهم بسبب الهدي واعتذر إليهم بذلك في ترك مواساتهم فصار النبي صلى الله عليه وسلم قارنا في آخر أمره, وقد اتفق جمهور العلماء على جواز إدخال الحج على العمرة وشذ بعض الناس فمنعه انتهى. "ويكون الإحرام" وهو في الحج والعمرة بمنزلة التكبير في الصلاة فيه تصوير الإخلاص والتعظيم وضبط عزيمة الحج بفعل ظاهر وفيه جعل النفس متذللة خاشعة لله بترك الملاذ والعادات المألوفة وأنواع التجمل وفيه تحقيق معاناة التعب والتشعث والتغير لله.
أقول: وليس في إيجاب الإحرام على غير من دخل لأحد النسكين دليل. أما الآية أعني قول تعالى:{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} وقد عُلم أنه لا إحرام إلا لأحد النسكين, ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا. وأما قول ابن عباس فاجتهاد منه وليس ذلك من الحجة في شيء والمقام مقام اجتهاد ولهذا خالفه ابن عمر فجاوز الميقات غير محرم. كما روى ذلك عنه مالك في الموطإ وقد كان المسلمون في عصره صلى الله عليه وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام كقصة الحجاج ابن علاط, وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات غير مريد للحج ولا للعمرة والبراءة الأصلية مستصحبة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح يجب العمل بت, وقد ذهب إلى جواز المجاوزة من غير