للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اتفق أهل العلم على أنه يجوز للمحرم قتل هذه الأعيان المذكورة في الخبر ولا شيء عليه في قتلها, وقاس الشافعي عليها كل حيوان لا يؤكل لحمه فقال: لا فدية على من قتلها في الإحرام أو الحرم. وصيد حرم المدينة وشجره كحرم مكة لحديث علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور" وهو في الصحيحين وغيرهما, وفي الصحيحين أيضا حديث عباد بن تميم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة" وفي الباب أحاديث في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة. قال ابن القيم: وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة التي رواها بضعة وعشرون صحابيا في أن المدينة حرم يحرم صيدها, ودعوى أن ذلك خلاف الأصول ومعارضتها بالمتشابه من قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا عمير ما فعل النغير١" ويا لله العجب أي الأصول التي خالفتها هذه السنن وهي من أعظم الأصول فهلا رد حديث أبي عمير لمخالفته لهذه الأصول ونحن نقول: معاذ الله أن نرد لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سنة صحيحة غير معلومة النسخ أبدا وحديث أبي عمير يحتمل أربعة أوجه: قد ذهب إلى كل منها طائفة أحدها أن يكون متقدما على أحاديث تحريم المدينة فيكون منسوخا. الثاني: أن يكون متأخرا عنها معارضا لها فيكون ناسخا. الثالث: أن يكون النغير مما صيد خارج المدينة ثم أدخل المدينة كما هو الغالب من الصيود. الرابع: أن يكون رخصة لذلك الصغير دون غيره كما رخص لأبي بردة في التضحية بالعناق دون غيره, فهو متشابه كما ترى فكيف يجعل أصلا يقدم على تلك النصوص الكثيرة المحكمة الصريحة التي لا تحتمل إلا وجها واحدا انتهى. "إلا أن من قطع شجره أو خبطه كان سلبه حلالا لمن وجده" لحديث سعد بن أبي وقاص أنه ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أوعليهم ما أخذ من غلامهم, فقال: معاذ الله أن أرد شيئا


١ النغير تصغير النغر بضم النون وفتح الغين وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار ويجمع على نغران –بكسر النون وإسكان الغين- قاله في النهاية وظاهر الحديث لا يحتمل ما زعمه ابن القيم ولا معارضة فيه لحديث تحريم حرم المدينة بل الوجه الصحيح فيه هو الوجه الثالث والأوجه الباقية لا دليل عليها ولا معنى لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>