دين فهذه هي الأصول الصحيحة التي جاءت السنة بالإشعار على وفقها ولله الحمد. "ومن بعث بهدي لم يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم" لحديث عائشة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يهدي من المدينة ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم. أقول: هذا آخر كلام الماتن على أحكام الحج. وأما الحج عن الميت والاستئجار له فاعلم أن الحج من الواجبات المتعلقة ببدن المكلف والظاهر في الواجبات البدنية أنها لا تلزم بعد رفع قلم التكليف وانتقال المكلف من هذه الدار التي هي دار التكاليف إلى دار الآخرة لأنه لم يبق من طلب منه الفعل فمن قال إنه يلزم الميت الإيصاء بشيء من الواجبات البدنية بأن يفعله عنه غيره بعد موته لم يقبل إلا بدليل أو قال: من تبرع عن ميت بفعل واجب بدني أجزأه لم يقبل ذلك منه إلا بدليل, وقد ورد الدليل في أمور منها الصوم لحديث:"من مات وعليه صوم صام عنه وليه" ولكن ليس في هذا الحديث وجوب على الميت بل الإيجاب على الولي وغاية ما يستفاد من قوله: "صام عنه" أنه يجزئ ذلك الصوم عن الميت. وأما الحج فلم يرد ما يدل على وجوب الوصية على الميت به بل ورد ما يدل على وقوع الحج من القريب عن قريبه الميت كما في حديث من نذرت أخته أن تحج فماتت قبل أن تحج, وكذلك ورد ما يدل على وقوع الحج من الولد لأبيه إذا كان في الحياة عاجزا عن الإتيان بالفريضة كما في خبر الخثعمية. وأما إيجاب الوصية بالحج أو أنه يجزئ من كل أحد من كل ميت فلا دليل على ذلك فيما أعلم. نعم إذا أوصى بالحج بنصيب من ماله فقد جعل الله له ثلث ماله في آخر عمره يتصرف به كيف يشاء ما لم يكن ضرارا فالموصي بالحج كأنه أوصى بنصيب من ماله المأذون له بالتصرف في ثلثه فيجب امتثال وصيته. وأما كون ذلك يسقط الواجب على الميت فمحل تردد عندي ولا سيما إذا كان الذي حج عنه ليس من قرابته فإن القرابة لها تأثير في القيام ببعض الواجبات البدنية من الحي عن الميت كما في حديث:"صام عنه وليه" وكما في حديث الذي نذرت أخته أن تحج. وأما حديث:"حج عن نفسك ثم عن شبرمة" فهو وإن كان في بعض السنن لكن لم يصرح فيه بأن