صلى الله عليه وسلم يعلم بها وأقرها ولولا ذلك لما جازت البتة انتهى ولا يخفاك أن عدم الجواز الذي ذكره على فرض عدم ثبوتها في أيام النبوة مبني على أن الأصل عدم جواز كل معاملة لم يثبت فيها دليل وهو غير مسلم بل الأصل الجواز ما لم تكن على وجه يستلزم ما لا يحل شرعا وعندي أن المضاربة داخلة تحت قول الله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وتحت قوله تعالى: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} بل كل ما دل على جواز البيع وعلى جواز الإجارة وعلى جواز الوكالة دل عليها وبيان ذلك ان المالك للنقد إذا دفعه إلى آخر ووكله بالشراء له بنقده مارآه ووكله أيضا بيعه وجعل له أجرة على تولي البيع وتولي الشراء وهي ما سماه له من الربح فجواز البيع والشراء داخل تحت أدلة البيع والشراء وجواز التوكيل بهما داخل تحت أدلة الوكالة وجواز جعل جزء من الربح للوكيل داخل تحت أدلة الإجارة فعرفت بهذا أن القراض غير خال من دليل يدل عليه العموم بل الذي لم يثبت هو الدليل الذي يدل عليه بخصوصه فلا وجه لما قاله الحافظ ابن حجر: أنه لو لم تثبت هذه المعاملة بخصوصها في عصر النبوة لما جازت البتة١ واعلم أن هذه الأسامي التي وقعت في كتب الفروع لأنواع من الشركة كالمفاوضة والعنان والوجوه والأبدان لم تكن أسماء شرعية ولا لغوية بل اصطلاحات حادثة متجددة ولا مانع للرجلين أن يخلطا ماليهما ويتجرا كما هو معنى المفاوضة المصطلح عليها لأن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ما لم يستلزم ذلك التصرف محرما مما ورد الشرع بتحريمه وإنما الشأن في اشتراط استواء المالين وكونهما نقدا واشتراط العقد فهذا لم يرد ما يدل على اعتباره بل مجرد التراضي بجمع المالين والاتجار بهما كاف وكذلك لا مانع من أن يشترك الرجلان في شراء شئ بحيث يكون لكل واحد منهما نصيب منه بقدر نصيبه من الثمن كما هو معنى شركة العنان اصطلاحا وقد كانت هذه الشركة ثابتة في أيام النبوة ودخل فيها جماعة من الصحابة فكانوا يشتركون في شراء شئ من الأشياء ويدفع كل واحد منهم نصيبا من قيمته ويتولى الشراء أحدهما أو كلاهما وأما اشتراط العقد والخلط فلم يرد ما يدل على إعتباره
١ كيف هذا والأجرة إذا كانت مجهولة كانت غير جائوة والمضاربة إذا ربح الشريك فيها معينا كانت غير جائزة أيضا فغنها تكون ربا فلا يأتي ما قاسه الشارح وأراد به الرد على الحافظ ابن حجر