وكذلك لا بأس أن يوكل أحد الرجلين الآخر أن يستدين له مالا ويتجر فيه ويشتركا في الربح كما هو معنى شركة الوجوه اصطلاحا ولكن لا وجه لما ذكروه من الشروط وكذلك لا بأس بأن يوكل أحد الرجلين الآخر في أن يعمل عنه عملا استؤجر عليه كما هو معنى شركة الأبدان اصطلاحا ولا معنى لاشتراط شروط في ذلك. والحاصل: أن جميع هذه الأنواع يكفي في الدخول فيها مجرد التراضي لأن ما كان منها من التصرف في الملك فمناطه التراضي ولا يتحتم اعتبار غيره وما كان منها من باب الوكالة أو الإجارة فيكفي فيه ما يكفي فيهما فما هذه الأنواع التي نوعوها والشروط التي اشترطوها وأي دليل عقل أو نقل ألجأهم إلى ذلك فإن الأمر أيسر من هذا التهويل والتطويل لأن حاصل ما يستفاد من شركة المفاوضة والعنان والوجوه أنه يجوز للرجل أن يشترك هو وآخر في شراء شئ وبيعه ويكون الربح بينهما على مقدار نصيب كل واحد منهما من الثمن وهذا شئ واحد واضح المعنى يفهمه العامي فضلا عن العالم ويفتي بجوازه المقصر فضلا عن الكامل وهو أعم من أن يستوي ما يدفعه كل واحد منهما من الثمن أو يختلف وأعم من أن يكون المدفوع نقدا أو عرضا وأعم من أن يكون ما اتجرا به جميع مال كل واحد منهما أو بعضه وأعم من أن يكون المتولي للبيع والشراء أحدهما أو كل واحد منهما وهب أنهم جعلوا لك قسم من هذه الأقسام التي هي في الأصل شئ واحد اسما يخصه فلا مشاحة في الاصطلاحات لكن ما معنى اعتبارهم لتلك العبارات وتكلفهم لتلك الشروط وتطويل المسافة على طالب العلم وإتعابه بتدوين ما لا طائل تحته وأنت لو سألت حراثا أو بقالا عن جواز الإشتراك في شراء الشئ وفي ربحه لم يصعب عليه أن يقول نعم ولو قلت له هل يجوز العنان أو الوجوه أو الإيدان لحار في فهم معاني هذه الألفاظ بل قد شاهدنا كثيرا من المتبحرين في علم الفروع يلتبس عليه كثير من تفاصيل هذه الأنواع ويتلعثم إن أراد تمييز بعضها من بعض اللهم إلا أن يكون قريب عهد بحفظ مختصر من مختصرات الفقه فربما يسهل عليه ما يهتدي به إلى ذلك وليس المجتهد من وسع دائرة الآراء العاطلة عن الدليل وقبل كل ما يقف عليه من قال وقيل فإن ذلك هو دأب أسراء التقليد بل المجتهد من قرر الصواب وأبطل الباطل