كان المحلوف عليه معصية إذ من المعلوم أن الله تعالى لا يأمر بمعصية فمن حلف على معصية كترك الكلام مع أبيه حنث وكفر وقال الشافعي: مخصوص بما إذا حلف على معصية أو حلف على ترك مندوب أو فعل مكروه لقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} أي مانعا لكم عن البر قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير "فقال أبو حنيفة: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث فمعناه فليقصد أداء الكفارة كقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} وقال الشافعي: يجوز تقديهما على الحنث يكفر بالصوم وعلى قياس هذا كل حق مالي تعلق بشيئين يجوز تقديمه على الشيئين كالزكاة إذا تم النصاب ولم يتم الحول "ومن أُكره على اليمين فهي غير لازمة ولا يأثم بالحنث فيها"لكون فعل المكره كلا فعل وقد رفع الله تعالى الخطاب به في التكلم بكلمة الكفر فقال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} ولحديث "رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وهو حديث فيه مقال طويل١ وتكليف الحالف بيمينه التي أكره عليها من تكليف مالا يطاق وهو باطل بالأدلة العقلية والنقلية "واليمين الغموس هي التي يعلم الحالف كذبها"لحديث ابن عمر قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر "فذكر الحديث "وفيه "اليمين الغموس " وفيه "قلت وما اليمين الغموس قال: التي يقتطع بها مال امرىء مسلم هو فيها كاذب" أخرجه البخاري قال مالك: وعقد اليمين أن يحلف الرجل أن لا يبيع ثوبه بعشرة دنانير ثم يبيعه بذلك أو يحلف ليضربن غلامه ثم لا يضربه ونحو هذا فهذا الذي يكفر صاحبه عن يمينه وليس في اللغو كفارة وأما الذي يحلف على الشئ وهو يعلم أنه آثم ويحلف على الكذب وهو يعلم ليرضي به أحدا أو ليعتذر به إلى معتذر له أو ليقطع به مالا فهذا أعظم من أن يكون فيه كفارة قلت: الغموس هي الحلف على ما يعلم بطلانه لا على ما يظن صدقه فإنه خارج عن الأقسام الثلاثة والحلف على الظن لا يجوز لأن الله سبحانه قد نهى عن اتباع الظن والعمل به نهيا عاما مخصصا بأمور ليس الحلف منها ومن زعم أنه يجوز الحلف على الظن فهو مطالب بدليل صالح لتخصيص ذلك ولا نسلم صدق إسم
١ تفصيله في تلخيص الحبير ابن حجر المطبوع مع المجموع للنووي ج ٤ ص ١١٢.