لقوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وهي وإن كانت حكاية عن بني إسرائيل فقد قرر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس في الصحيحين وغيرهما "أن الربيع كسرت ثنية جارية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص" وأما تقييد ذلك بالإمكان فلكون بعض الجروح قد يتعذر الاقتصاص فيها كعدم إمكان الاقتصار على مثل ما في المجني عليه وخطاب الشرع محمول على الإمكان من دون مجاوزة للمقدار الكائن في الجني عليه فإذا كان لا يمكن بمجاوزة للمقدار أو بمخاطرة وإضرار فالأدلة الدالة عليى تحريم دم المسلم وتحرم الإضرار به بما هو خارج عن القصاص مخصصة لدليل الاقتصاص قلت: إن كل طرف له مفصل معلوم فقطعه ظالم من مفصله من إنسان اقتص منه كالإصبع يقطعها من أصلها أو اليد يقطعها من الكوع أو من المرفق أو الرجل يقطعها من المفصل يقتص منه وكذلك لو قلع سنه أو قطع أنفه أو أذنه أو فقأ عينه أو جب ذكره أو قطع أنثييه يقتص منه وكذلك لو شجه موضحة١ في رأسه أو وجهه يقتص منه ولو جرح رأسه دون الموضحة أو جرح موضعا آخر من بدنه أو هشم العظم فلا قود فيه لأنه لا يمكن مراعاة المماثلة فيه وكذلك لو قطع يده من نصف الساعد فليس له أن يقطع يده من ذلك الموضع وله أن يقتص من الكوع ويأخذ حكومة لنصف الساعد وعلى هذا أكثر أهل العلم في الجملة وفي التفاصيل لهم اختلاف "ويسقط بإبراء أحد الورثة ويلزن نصيب الآخرين من الدية" لما تقدم من كونه أمر القصاص والدية إلى الورثة وأنهم بخير النظرين فإذا أبرؤا من القصاص سقط وإن أبرأ أحدهم سقط لأنه لا تبعض ويستوفي الورثة نصيبهم من الدية وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة" وأراد بالمقتتلين أولياء المقتول وينحجزوا أي ينكفوا عن القود بعفو أحدهم ولو كانت امرأة وقوله: "الأول فالأول" أي الأقرب فالأقرب هكذا فسر الحديث أبو داود وفي إسناده حصن بن عبد الرحمن ويقال ابن محصن أبو حذيفة
١ من أوضحت الشجة بالرأس فهمي موضحه يعني كشف العظم.