للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا؛ ولهذا قال: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به".

وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن جعفر، أخبرنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عُرْوَة قال: خاصم الزبير رجلا (١) في شُرَيج (٢) من الحَرَّة، فقال النبي : "اسق يا زُبير ثم أرْسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاري: يا رسول الله، أنْ كان ابن عمتك؟ (٣) فَتَلَوَّن وجه رسول الله ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدْر، ثم أرسل الماء إلى جارك" واستوعى النبي للزبير حَقّه في صريح الحكم، حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) الآية.

وهكذا رواه البخاري هاهنا أعني في كتاب: "التفسير" من صحيحه من حديث معمر: وفي كتاب: "الشرب" من حديث ابن جُرَيْج ومعمر أيضا، وفي كتاب: "الصلح" من حديث شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن الزهري عن عروة، فذكره (٤) وصورته صورة الإرسال، وهو متصل في المعنى.

وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرح بالإرسال فقال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير: أن الزبير كان يحدث: أنه كان يخاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى النبي في شراج الحرة، كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النبي للزبير: "اسق ثم أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟ (٥) فتلوّن وجه رسول


(١) في أ: "رجلا من الأنصار".
(٢) في ر: "شريح".
(٣) في أ: "عمك".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٥٨٥)، (٢٣٦١)، (٢٣٦٢)، (٢٧٠٨).
(٥) في أ: "عمك".