للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَالَفَ (١) شَرَعَ اللَّهُ الْهِجْرَةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْقِتَالِ بِالسُّيُوفِ، وَضَرْبِ الرِّقَابِ وَالْهَامِ لِمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَكَذَّبَ بِهِ وَعَانَدَهُ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ (٢) الْجُرَشِيِّ الشَّامِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُعِثتُ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ حَتَّى يُعبَد اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وجُعِل رِزْقِي تَحْتَ ظِلّ رُمْحي، وَجَعَلَ الذِّلَّةُ والصِّغار عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشبَّه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" (٣)

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} يَعْنِي: السِّلَاحَ كَالسُّيُوفِ، وَالْحِرَابِ، وَالسِّنَانِ، وَالنِّصَالَ، وَالدُّرُوعِ، وَنَحْوِهَا. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} أَيْ: فِي مَعَايِشِهِمْ كَالسِّكَّةِ وَالْفَأْسِ وَالْقَدُومِ، وَالْمِنْشَارِ، وَالْإِزْمِيلِ، وَالْمِجْرَفَةِ، وَالْآلَاتِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحِرَاثَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَمَا لَا قِوَامَ لِلنَّاسِ بِدُونِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَالَ عِلْباء (٤) بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عِكْرِمة، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نَزَلَتْ مَعَ آدَمَ: السَّنْدَانُ (٥) والكلْبَتان والميقعَة (٦) -يَعْنِي الْمِطْرَقَةَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَوْلُهُ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} أَيْ: مَنْ نِيَّتُهُ فِي حَمْلِ السِّلَاحِ نُصْرَةُ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} أَيْ: هُوَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، يَنْصُرُ مَنْ نَصَرَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ مِنْهُ إِلَى النَّاسِ، وَإِنَّمَا شَرَعَ الْجِهَادَ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٧) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ مُنْذُ بَعَثَ نُوحًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمْ يُرْسِلْ بَعْدَهُ رَسُولًا وَلَا نَبِيًّا إِلَّا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، لَمْ يُنْزِلْ مِنَ السَّمَاءِ كِتَابًا وَلَا أَرْسَلَ رَسُولًا وَلَا أَوْحَى إِلَى بَشَرٍ مِنْ بَعْدِهِ، إِلَّا وَهُوَ مِنْ سُلَالَتِهِ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [يَعْنِي] (٧) حَتَّى كَانَ آخِرُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الَّذِي بَشَّرَ مِنْ بَعْدِهِ بِمُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ}


(١) في م: "على من تخلف منهم".
(٢) في أ:"المسيب"
(٣) المسند (٢/٥٠) وسنن أبي داود برقم (٤٠٣١) .
(٤) في أ: "قال علياء".
(٥) في أ: "السنداب"
(٦) في م: "المدقة"، وفي أ: "والمنفعة".
(٧) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>