للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما توفيقي إلا بالله (١)

[تفسير سورة النحل]

وهي مكية.

﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١)

يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها معبرًا بصيغة الماضي الدال على التحقق (٢) والوقوع لا محالة [كما قال تعالى] (٣): ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١]، وقال: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: ١].

وقوله: (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) أي: قرب ما تباعد فلا تستعجلوه.

يحتمل أن يعود الضمير على الله، ويحتمل أن يعود على العذاب، وكلاهما متلازم، كما قال تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٣، ٥٤].

وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب، فقال في قوله: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) أي: فرائضه وحدوده.

وقد رده ابن جرير فقال: لا نعلم أحدًا استعجل الفرائض (٤) والشرائع قبل وجودها (٥) بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه، استبعادًا وتكذيبًا.

قلت: كما قال تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ [الشورى: ١٨].

وقال ابن أبي حاتم: ذُكر عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن محمد بن عبد الله -مولى المغيرة بن شعبة -عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن حُجيرة، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله "تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس، فما تزال ترتفع في السماء، ثم ينادي مناد فيها: يا أيها الناس. فيقبل الناس بعضهم على بعض: هل سمعتم؟ فمنهم من يقول: نعم. ومنهم من يشك. ثم ينادي (٦) الثانية: يا أيها الناس. فيقول الناس بعضهم لبعض: هل سمعتم؟ فيقولون: نعم. ثم ينادي الثالثة: يا أيها الناس، أتى أمر الله فلا تستعجلوه. قال رسول الله : فوالذي نفسي بيده، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه (٧) شيئًا أبدًا، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدًا -قال -ويشتغل (٨) الناس" (٩).


(١) زيادة من أ، ف
(٢) في أ: "التحقيق".
(٣) زيادة من ت، ف، أ.
(٤) في ف، أ: "بالفرائض".
(٥) في أ: "وجودهما".
(٦) في ت، أ: "ينادي مناد".
(٧) في ف: "منه".
(٨) في ت: "ويستعمل".
(٩) ورواه الحاكم في المستدرك (٤/ ٥٣٩): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا يحيى بن آدم به، وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه". ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٧/ ٣٢٥): حدثنا الحسين التستري، حدثنا أبو كريب، حدثنا يحيى بن آدم به، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (٤/ ٣٨٢): "رواه الطبراني بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون".