للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تفسير سورة الفيل]

وهي مكية.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)

هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وَرَدهم بشر خيبة. وكانوا قوما نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان. ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله ، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم -يا معشر قريش-على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد، صلوات الله وسلامه عليه (١) خاتم الأنبياء.

وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب، قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود (٢) أن ذا نُوَاس -وكان آخر ملوك حمير، وكان مشركًا -هو الذي قتل أصحاب الأخدود، وكانوا نصارى، وكانوا قريبًا من عشرين ألفًا، فلم يفلت منهم إلا دَوس ذو ثعلبان، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام -وكان نصرانيًا-فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة؛ لكونه أقرب إليهم، فبعث معه أميرين: أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم (٣) في جيش كثيف، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار، واستلبوا الملك من حمير، وهلك ذو نواس غريقا في البحر. واستقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران: أرياط وأبرهة، فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا، فقال أحدهما للآخر: إنه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا، ولكن أبرز إلي وأبرز إليك، فأينا قتل الآخر، استقل بعده بالملك. فأجابه إلى ذلك فتبارزا، وخَلَفَ كل واحد منهما قناة، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف، فشرم أنفه وفمه وشق وجهه، وحمل عَتَوْدَة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحًا، فداوى جرحه فَبَرأ، واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن. فكتب (٤) إليه النجاشي يلومه على ما كان منه، ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجزن ناصيته. فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف، وبجراب فيها من تراب اليمن، وجز ناصيته فأرسلها معه، ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه،


(١) في أ: "".
(٢) عند تفسير الآية: ٤ من سورة البروج.
(٣) في أ: "أبا بكشوم".
(٤) في أ: "فأرسل".