للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد الاجتهاد والحرص، وفي حديث ابن مسعود أدب في التعبير عن حصول ذلك، فلا يقول: نسيت آية كذا، فإن النسيان ليس من فعل العبد، وقد يصدر عنه أسبابه من التناسي والتغافل والتهاون المفضي إلى ذلك، فأما النسيان نفسه فليس بفعله؛ ولهذا قال: "بل هو نُسِيَ"، مبني لما لم يسم فاعله، وأدب -أيضا-في ترك إضافة ذلك إلى الله تعالى، وقد أسند النسيان إلى العبد في قوله: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: ٢٤] وهو، والله أعلم، من باب المجاز السائغ بذكر المسبب وإرادة السبب؛ لأن النسيان إنما يكون عن سبب قد يكون ذنبا، كما تقدم عن الضحاك بن مزاحم، فأمر الله تعالى بذكره ليذهب الشيطان عن القلب كما يذهب عند النداء بالأذان، والحسنة تذهب السيئة، فإذا زال السبب للنسيان انزاح، فحصل الذكر لشيء بسبب ذكر الله تعالى، والله أعلم.

من لم ير بأسا أن يقول:

سورة البقرة، وسورة كذا وكذا

حدثنا عمر بن حفص بن غياث (١) حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثني إبراهيم، عن علقمة وعبد الرحمن بن يزيد، عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله : " الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه " (٢).

وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة من حديث عبد الرحمن بن يزيد وصاحبا الصحيح والنسائي وابن ماجة من حديث علقمة، كلاهما عن أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري البكري (٣).

الحديث الثاني: ما رواه من حديث الزهري، عن عروة، عن المِسْوَر وعبد الرحمن بن عبدٍ القارئ، كلاهما عن عمر قال: سمعت هشام بن حكيم [بن حزام] (٤) يقرأ سورة الفرقان … وذكر الحديث بطوله، كما تقدم، وكما سيأتي (٥).

الحديث الثالث: ما رواه من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: " سمع رسول الله قارئا يقرأ من الليل في المسجد، فقال: "يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطتهن من سورة كذا وكذا " (٦).

وهكذا في الصحيحين عن ابن مسعود: أنه كان يرمي الجمرة من الوادي ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة (٧). وكره بعض السلف ذلك، ولم يروا إلا أن يقال: السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، كما تقدم من رواية يزيد الفارسي عن ابن عباس، عن عثمان أنه قال: إذا نزل شيء من


(١) في جـ: "عتاب".
(٢) صحيح البخاري برقم (٥٠٤٠).
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٠٠٨، ٥٠٥١، ٥٠٠٨) وصحيح مسلم برقم (٨٠٧، ٨٠٨) وسنن أبي داود برقم (١٣٩٧) وسنن الترمذي برقم (٢٨٨١) وسنن النسائي الكبرى برقم (٨٠١٨، ٨٠١٩) وسنن ابن ماجة برقم (١٣٦٨، ١٣٦٩).
(٤) زيادة من ط، جـ.
(٥) صحيح البخاري برقم (٥٠٤١).
(٦) صحيح البخاري برقم (٥٠٤٢).
(٧) صحيح البخاري برقم (١٧٤٧) وصحيح مسلم برقم (١٢٩٦).