للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاغتباط بما هو فيه، ويستحب تغبيطه بذلك، يقال: غبطه يغبِطه غبطًا: إذا تمنى ما هو فيه من النعمة، وهذا بخلاف الحسد المذموم وهو تمني زوال نعمة المحسود عنه، سواء حصلت لذلك الحاسد أو لا وهذا مذموم شرعًا، مهلكٌ، وهو أول معاصي إبليس حين حسد آدم، ، على ما منحه الله تعالى من الكرامة والاحترام والإعظام. والحسد الشرعي الممدوح هو تمني مثل حال ذلك الذي هو على حالة سارة؛ ولهذا قال : "لا حسد إلا في اثنتين "، فذكر النعمة القاصرة وهي تلاوة القرآن آناء الليل والنهار، والنعمة المتعدية وهي إنفاق المال بالليل والنهار كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر: ٢٩]، وقد روي نحو هذا من وجه آخر، فقال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده: كتب إليّ أبو توبة الربيع بن نافع، فكان في كتابه: حدثنا الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة، عن يزيد بن الأخنس، أن رسول الله قال: "لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ويتبع ما فيه، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأقوم (١) كما يقوم به، ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفقه ويتصدق، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدق به" (٢). وقريب من هذا ما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا عبادة بن مسلم، حدثني يونس بن خباب، عن أبي سعيد البختري الطائي، عن أبي كبشة قال: سمعت رسول الله يقول: "ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، فأما الثلاث التي أقسم عليهن: فإنه ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله له باب فقر، وأما الذي أحدثكم حديثا فاحفظوه، فإنه قال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه، ويعمل لله فيه حقه قال: "فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو يقول: لو كان لي مال عملت بعمل فلان" قال: "فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعمل لله فيه حقه، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مال لفعلت بعمل فلان". قال: "هي نيته فوزرهما فيه سواء " (٣).

وقال أيضا: حدثنا وَكِيع، حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله : " مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل". قال رسول الله : "فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو كان لي مثل


(١) في ط، م: "فيقوم به".
(٢) المسند (٤/ ١٠٥).
(٣) المسند (٤/ ٢٣١).