للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: مَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ جِلْدَ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَسِنَّهُ تِسْعُونَ ذِرَاعًا، وَبَطْنَهُ لَوْ وُضِعَ فِيهِ جَبَلٌ لَوَسِعَهُ، فَإِذَا أَكَلَتِ النَّارُ جُلُودَهُمْ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَهَا.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا، قَالَ (١) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الطَّوِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَعْظُمُ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّ غِلَظَ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلَ أُحُدٍ".

تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (٢) .

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} أَيْ: سَرَابِيلُهُمْ. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.

وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ مَآلِ السُّعَدَاءِ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، الَّتِي تَجْرِي فِيهَا (٣) الْأَنْهَارُ فِي جَمِيعِ فِجَاجِهَا وَمَحَالِّهَا وَأَرْجَائِهَا حَيْثُ شَاؤُوا وَأَيْنَ أَرَادُوا، وَهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا، لَا يُحَوَّلُونَ وَلَا يَزُولُونَ وَلَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا.

وَقَوْلُهُ: {لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} أَيْ: مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْأَذَى. وَالْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَالصِّفَاتِ النَّاقِصَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُطَهَّرَةٌ مِنَ الْأَقْذَارِ وَالْأَذَى. وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَعَطِيَّةُ، وَالسُّدِّيُّ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُطَهَّرَةٌ مِنَ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ وَالنُّخَامِ وَالْبُزَاقِ وَالْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: مُطَهَّرَةٌ مِنَ الْأَذَى وَالْمَآثِمِ وَلَا حَيْضَ وَلَا كَلَفَ.

وَقَوْلُهُ: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا} أَيْ: ظَلَّا عَمِيقًا كَثِيرًا غَزِيرًا طَيِّبًا أَنِيقًا.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا (٤) ابْنُ (٥) جَعْفَرٍ -قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الضَّحَّاكِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، شَجَرَةُ الْخُلْدِ" (٦) .

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "أَدِّ الْأَمَانَةِ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ". رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ (٧) وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَمَانَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ، مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى عِبَادِهِ، مِنَ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَالصِّيَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْعِبَادُ، وَمِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَالْوَدَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتَمِنُونَ بِهِ (٨) بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعِ بَيِّنَةٍ (٩) عَلَى ذَلِكَ. فَأَمَرَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِأَدَائِهَا، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا، حَتَّى يُقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ" (١٠) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ الشَّهَادَةَ تُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَّا الْأَمَانَةَ، يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -وَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ-فَيُقَالُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ وَأَنَّى أُؤَدِّيهَا وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟ فَتُمَثَّلُ لَهُ الْأَمَانَةُ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي إِلَيْهَا فَيَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ. قَالَ: فَتَنْزِلُ عَنْ عَاتِقِهِ، فَيَهْوِي عَلَى أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ. قَالَ زَاذَانُ: فَأَتَيْتُ الْبَرَاءَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .

وَقَالَ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} قَالَ: هِيَ (١١) مُبْهَمَةٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ مُسَجَّلَةٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْأَمَانَةُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مِنَ الْأَمَانَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ ائْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا.

وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هِيَ مِنَ الْأَمَانَاتِ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} قَالَ:


(١) في د، ر: "فقال".
(٢) المسند (٢/٢٦) .
(٣) في د، ر: "تخترقها".
(٤) في د: "حدثنا محمد".
(٥) في ر: "أبو".
(٦) تفسير الطبري (٨/٤٨٩) .
(٧) لم أجد من رواه من حديث سمرة رضى الله عنه: أ-
وإنما رواه الإمام أحمد في مسنده (٣/٤١٤) عَنْ رَجُلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
ب- ورواه الترمذي في سننه برقم (١٢٦٤) وأبو داود في سننه برقم (٣٥٣٥) من طريق طلق بن غنام عن شريك وقيس عن أبي حصين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ الترمذي: "حديث حسن غريب"، وقال أبو حاتم: "حديث منكر لم يرو هذا الحديث غير طلق" العلل (١/٣٧٥) .
جـ- ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٦٤) والطبراني في المعجم الصغير (١/١٧١) من طريق أيوب بن سويد عن ابن شوذب عن أبي التياح، عن أنس رضي الله عنه، وأيوب بن سويد ضعيف.،
د- ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٨/١٥٠) من طريق يحيى بن عثمان، عم عمرو بن الربيع، عن يحيى بن أيوب عن إسحاق ابن أسيد عن أبي حفص عن مكحول عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ الهيثمي في المجمع (٨/١٢٨) : "فيه يحي بن عثمان بن صالح المصري. قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه".
هـ - ورواه الطبري في تفسيره (٨/٤٩٣) من طريق قتادة عن الحسن مرسلا.
(٨) في أ: "فيه"
(٩) في ر: "نبيه".
(١٠) مسلم في صحيحه برقم "٢٥٨٢".
(١١) في أ: "فهي".

<<  <  ج: ص:  >  >>