فإنه: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ﴾ والمنافقون الذين أضلهم عن سبيل النجاة فلا هادي لهم، ولا منقذ لهم مما هم فيه، فإنه تعالى لا مُعَقّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٢٨] أي: يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه. ولهذا قال هاهنا:(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) أي: حجة عليكم في عقوبته إياكم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس قوله:(سُلْطَانًا مُبِينًا)[قال](١) كل سلطان في القرآن حجة.
وهذا إسناد صحيح. وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القُرَظي، والضحاك، والسدي والنضر بن عَرَبي.
ثم أخبر تعالى:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ) أي: يوم القيامة، جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن عباس:(فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ) أي: في أسفل النار. وقال غيره: النار دركات، كما أن الجنة درجات. "وقال سفيان الثوري، عن عاصم، عن ذَكْوان أبي صالح، عن أبي هريرة:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ) قال: في توابيت ترتج عليهم. كذا رواه ابن جرير، عن ابن وَكِيع، عن يحيى بن يمان، عن سفيان، به. ورواه ابن أبي حاتم، عن المنذر بن شاذان، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ) قال: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كُهَيْل، عن خَيْثَمَة، عن عبد الله -يعني ابن مسعود:(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ) قال: في توابيت