للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدُويه، مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيق، بِهِ (١) .

وَقَالَ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إِلَّا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، فَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ، فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} وَهُوَ الْمَوْتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}

وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ (٢) نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَوْلُهُ: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} أَيْ: آخِرَةُ الْمُتَّقِي خَيْرٌ مِنْ دُنْيَاهُ.

{وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا} أَيْ: مِنْ أَعْمَالِكُمْ بَلْ تُوَفَّوْنَهَا أَتَمَّ الْجَزَاءِ. وَهَذِهِ تَسْلِيَةٌ لَهُمْ عَنِ الدُّنْيَا. وَتَرْغِيبٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَتَحْرِيضٌ لَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن زيد، عن هشام قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا صَحِبَهَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، مَا (٣) الدُّنْيَا كُلُّهَا أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا إِلَّا كَرَجُلٍ نَامَ نَوْمَةً، فَرَأَى فِي مَنَامِهِ بَعْضَ مَا يُحِبُّ، ثُمَّ انْتَبَهَ.

وَقَالَ ابْنُ مَعين: كَانَ أَبُو مُسْهِر يُنْشِدُ:

وَلَا خَيْرَ فِي الدنيا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ... مِنَ اللَّهِ فِي دَارِ الْمُقَامِ نَصيبُ ...

فِإِنْ تُعْجب الدُّنْيَا رجَالا فِإِنْهَا ... مَتَاع قَلِيلٌ والزّوَال قريبُ ...

وَقَوْلُهُ: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} أَيْ: أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَى الْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يَنْجُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وِالإكْرَامِ] (٤) } [الرَّحْمَنِ: ٢٦، ٢٧] وَقَالَ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٨٥] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٤] وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ صَائِرٌ إِلَى الْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَسَوَاءٌ عَلَيْهِ جَاهَدَ أَوْ لَمْ يُجَاهِدْ، فَإِنَّ لَهُ أَجَلًا مَحْتُومًا، وَأَمَدًا مَقْسُومًا، كما قال خالد بن الوليد حين جاء الْمَوْتُ عَلَى فِرَاشِهِ: لَقَدْ شَهِدْتُ كَذَا وَكَذَا مَوْقِفًا، وَمَا مِنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِي إِلَّا وَفِيهِ جُرْحٌ مِنْ طَعْنَةٍ أَوْ رَمْيَةٍ، وَهَا أَنَا أَمُوتُ عَلَى فِرَاشِي، فَلَا نَامَتْ أَعْيُنُ الْجُبَنَاءِ (٥) .

وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} أَيْ: حَصِينَةٍ مَنِيعَةٍ عَالِيَةٍ رَفِيعَةٍ. وَقِيلَ: هِيَ بُرُوجٌ فِي السَّمَاءِ. قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا الْمَنِيعَةُ. أَيْ: لَا يُغْنِي حَذَرٌ وَتَحَصُّنٌ مِنَ الْمَوْتِ، كَمَا قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أبي سلمى: (٦)


(١) سنن النسائي الكبرى برقم (١١١١٢) والمستدرك (٢/٣٠٧) .
(٢) في أ: "الآية".
(٣) في ر، أ: "وما".
(٤) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٥) رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق كما في المختصر لابن المنظور (٨/٢٦) من طريق أبي الزناد أن خالد لما حضرته الوفاة بكى وقال ... فذكره.
(٦) في ر، أ: "طرفة بن العبد".

<<  <  ج: ص:  >  >>