للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٦٩) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠)

لما تضمن قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إلى آخر السياق، إثبات نبوته (١) والرد على من أنكر نبوته من المشركين وأهل الكتاب، قال الله تعالى: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزلَ إِلَيْكَ) أي: وإن كفر به من كفر به ممن كذبك وخالفك، فالله يشهد لك بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب، وهو: القرآن العظيم الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢]؛ ولهذا قال: (أَنزلَهُ بِعِلْمِهِ) أي: فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه، من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل، وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة، التي لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب، إلا أن يُعْلِمَه الله به، كما قال [تعالى] (٢) ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقال ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الحسن بن سَهْل الجعفري وخَزَزُ بن المبارك قالا حدثنا عمران بن عيينة، حدثنا عطاء بن السائب قال: أقرأني أبو عبد الرحمن السَّلمي القرآنَ، وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال: قد أخذتَ علم الله، فليس أحدٌ اليوم أفضلَ منك إلا بعمل، ثم يقرأ: (أَنزلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) وقوله (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أي: بصدق ما جاءك وأوحى إليك وأنزل عليك، مع شهادة الله تعالى لك بذلك (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)

وقد قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: دخل على رسول الله جماعةٌ من اليهود، فقال لهم: "إني لأعلم -والله-إنكم لتعلمون أني رسول الله". فقالوا: ما نعلم ذلك. فأنزل الله ﷿: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزلَ إِلَيْكَ أَنزلَهُ بِعِلْمِهِ [وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا] (٣)﴾.

وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا) أي: كفروا في أنفسهم (٤) فلم يتبعوا الحق، وسَعوْا في صد الناس عن اتباعه والاقتداء به، قد خرجوا عن الحق وضلوا عنه، وبَعُدُوا منه بعدًا عظيما شاسعًا.

ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله، الظالمين لأنفسهم بذلك، وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمه وانتهاك محارمه، بأنه لا يغفر لهم (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا) أي: سبيلا إلى الخير (إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) وهذا استثناء منقطع (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا]) (٥).

ثم قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) أي: قد جاءكم محمد -صلوات الله وسلامه عليه-بالهدى ودين الحق، والبيان الشافي من الله، ﷿، فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه (٦) يكن خيرًا لكم.

ثم قال: (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) أي: فهو غني عنكم وعن إيمانكم، ولا يتضرر بكفرانكم، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨] وقال هاهنا: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) أي: بمن يستحق منكم الهداية فيهديه، وبمن يستحق الغَوَاية فيغويه (حَكِيمًا) أي: في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.


(١) في أ: "بنبوته صلوات الله وسلامه عليه".
(٢) زيادة من د، أ.
(٣) زيادة من أ، وفي هـ: "الآية".
(٤) في د: "بأنفسهم".
(٥) زيادة من أ.
(٦) في د: "فاتبعوه".