للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألَمْ تَقْتُلا الحرْجَين إذ أعورا لكم … يمرَّان الأيدي اللَّحاء المُضَفَّرا (١)

وقوله: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) أي: إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه، فقد أبحنا لكم ما كان محرما عليكم في حال الإحرام من الصيد. وهذا أمر بعد الحظر، والصحيح الذي يثبت على السَّبْر: أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجبًا رده واجبًا، وإن كان مستحبًا فمستحب، أو مباحًا فمباح. ومن قال: إنه على الوجوب، ينتقض عليه بآيات كثيرة، ومن قال: إنه للإباحة، يرد عليه آيات أخر، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه، كما اختاره بعض علماء الأصول، والله أعلم.

وقوله: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا) ومن القراء من قرأ: "أن صدوكم" بفتح الألف من "أن" ومعناها ظاهر، أي: لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية، على أن تعتدوا [في] (٢) حكم الله فيكم (٣) فتقتصوا منهم ظلمًا وعدوانًا، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في كل أحد. وهذه الآية كما سيأتي من قوله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨] أي: لا يحملنكم بغض أقوام على ترك العدل، فإن العدل واجب على كل أحد، في كل أحد في كل حال.

وقال بعض السلف: ما عاملتَ من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، والعدل به قامت السموات والأرض.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سَهْل بن عثمان (٤) حدثنا عبد الله بن جعفر، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول الله بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق، يريدون العمرة، فقال أصحاب النبي : نصد (٥) هؤلاء كما صدنا أصحابهم. فأنزل الله هذه الآية (٦).

والشنآن هو: البغض. قاله ابن عباس وغيره، وهو مصدر من شنَأته أشنؤه شنآنا، بالتحريك، مثل قولهم: جَمَزَان، ودَرَجَان ورَفَلان، من جمز، ودرج، ورفل. قال ابن جرير: من العرب من يسقط التحريك في شنآن، فيقول: شنان. قال: ولم أعلم أحدًا قرأ بها، ومنه قول الشاعر (٧):

ومَا العيشُ إلا ما تُحبُّ وتَشْتَهي (٨) … وَإنْ لامَ فيه ذو الشنَّان وفَنَّدَا

وقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل.


(١) في ر: "للحاء المضفرا".
(٢) زيادة من د.
(٣) في د، أ: "فيهم".
(٤) في أ: "سهل بن عفان".
(٥) في ر، أ: "قصد"
(٦) وذكره الواحدي في أسباب النزول ولم يسنده
(٧) هو الأحوص بن محمد الأنصاري، والبيت في تفسير الطبري (٩/ ٤٨٧).
(٨) في د: "إلا ما يحب ويشتهي