للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل، (١) وهذا القول أشبه بالصواب، والله أعلم، لأنه أجرى عن (٢) القواعد الأصولية، وأمس بالأصول (٣) الشرعية. واحتج ابن الصباغ له بحديث رافع بن خَدِيج، قلت: يا رسول الله، إنا لاقو العدو غدًا وليس معنا مُدًى، أفنذبح بالقَصَب؟ قال: (٤) "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه". الحديث بتمامه وهو في الصحيحين.

وهذا وإن كان واردًا على سبب خاص، فالعبرة بعموم اللفظ عند جمهور من العلماء في الأصول والفروع، كما سئل (٥) عن البتع -وهو نبيذ العسل-فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" (٦) أفيقول فقيه: إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل؟ وهكذا هذا كما سألوه عن شيء من الذكاة فقال لهم كلاما عاما يشمل ذاك المسئول عنه وغيره؛ لأنه (٧) قد أوتي جوامع الكلم.

إذا تقرر هذا فما صدمه الكلب أو غَمَّه بثقله، ليس مما أنهر دمه، فلا يحل لمفهوم هذا الحديث. فإن قيل: هذا الحديث ليس من هذا القبيل بشيء؛ لأنهم إنما سألوا عن الآلة التي يُذكّى بها، ولم يسألوا عن الشيء الذي يذَكَّى؛ ولهذا استثنى من ذلك السن والظفر، حيث قال: "ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فَمُدى الحبشة". والمستثنى يدل على جنس المستثنى منه، وإلا لم يكن متصلا فدل على أن المسئول عنه هو الآلة، فلا يبقى فيه دلالة لما ذكرتم.

فالجواب عن هذا: بأن في الكلام ما يشكل عليكم أيضا، حيث يقول: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه". ولم يقل: "فاذبحوا به" فهذا يؤخذ منه الحكمان معا، يؤخذ حكم الآلة التي يذكى بها، وحكم المذكى، وأنه لا بد من إنهار دمه بآلة ليست سنا ولا ظفرًا. هذا مسلك.

والمسلك الثاني: طريقة المُزَني، وهي أن السهم جاء التصريح فيه بأنه إن قتل بعَرْضِه فلا تأكل، وإن خَزَق فَكُل. والكلب جاء مطلقا فيحمل على ما قيد هناك من الخَزْق؛ لأنهما اشتركا في الموجب، وهو الصيد، فيجب الحمل هنا وإن اختلف السبب، كما وجب حمل مطلق الإعتاق في الظهار على تقييده بالإيمان في القتل، بل هذا أولى. وهذا يتوجه له على من يسلم له أصل هذه القاعدة من حيث هي، وليس فيها خلاف بين الأصحاب قاطبة، فلا بد لهم من جواب عن هذا. وله أن يقول: هذا قتله الكلب بثقله، فلم يحل قياسا على ما قتله السهم بعَرْضه (٨) والجامع أن كلا منهما آلة للصيد، وقد مات بثقله فيهما. ولا يعارض ذلك بعموم الآية؛ لأن القياس مقدم على العموم، كما هو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور، وهذا مسلك حسن أيضا.

مسلك آخر، وهو: أن قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤] عام فيما قتلن بجرح أو


(١) في أ: "".
(٢) في ر، أ: "على".
(٣) في ر، أ: " وأمشي عن الأصول".
(٤) في ر: "فقال".
(٥) في أ: ""
(٦) رواه البخاري في صحيحه برقم (٢٤٢) ومسلم في صحيحه برقم (٢٠٠١) من حديث عائشة، .
(٧) في أ: ""
(٨) في ر، أ: "بثقله".