للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال السدي: هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر.

وأما (النَّطِيحَةُ) فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها، فهي حرام، وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها.

والنطيحة فعيلة بمعنى مفعولة، أي: منطوحة. وأكثر ما ترد هذه البِنْيَة في كلام العرب بدون تاء التأنيث، فيقولون: كَفٌّ خضيب، وعينٌ كحيل، ولا يقولون: كف خضيبة، ولا عين كحيلة: وأما هذه فقال بعض النحاة: إنما استعمل فيها تاء التأنيث؛ لأنها أجريت مجرى الأسماء، كما في قولهم: طريقة طويلة. وقال بعضهم: إنما أتي بتاء التأنيث فيها لتدل على التأنيث من أول وهلة، بخلاف: عين كحيل، وكف خضيب؛ لأن التأنيث مستفاد من أول الكلام.

وقوله: (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) أي: ما عدا عليها أسد، أو فهد، أو نمر، أو ذئب، أو كلب، فأكل بعضها فماتت بذلك، فهي حرام وإن كان قد سال منها الدماء ولو من مذبحها، فلا تحل بالإجماع. وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة ونحو ذلك فحرم الله ذلك على المؤمنين.

وقوله: (إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) عائد على ما يمكن عوده عليه، مما انعقد سبب موته فأمكن تداركه بذكاة، وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله: (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ)

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) يقول: إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح، فكلوه، فهو ذكي. وكذا رُوي عن سعيد بن جبير، والحسن البصري، والسدي.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشَجّ، حدثنا حَفْص بن غياث (١) حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي قال: (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ) قال: إن مَصَعَتْ بذنبها أو رَكَضَتْ برجلها، أو طَرَفَتْ بعينها فكُلْ.

وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا هشيم وعباد قالا حدثنا حجاج، عن حصين، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة، وهي تحرك يدًا أو رجلا فكلها.

وهكذا رُوي عن طاوس، والحسن، وقتادة وعُبَيد بن عُمير، والضحاك وغير واحد: أن المذكاة متى تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح، فهي حلال. وهذا مذهب جمهور الفقهاء، وبه قال (٢) أبو حنيفة والشافعي، وأحمد بن حنبل. وقال ابن وهب: سُئل مالك عن الشاة التي يخرق جوفَها السَّبُعُ حتى تخرج أمعاؤها؟ فقال مالك: لا أرى أن تذكى أيّ شيء يُذَكَّى منها.

وقال أشهب: سئل مالك عن الضبع يعدو على الكبش، فيدق ظهره أترى أن يذكى قبل أن


(١) في د: "حفص بن عياش".
(٢) في أ: "يقول".