للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ) أي: حرم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام: واحدها: زُلَم، وقد تفتح الزاي، فيقال: زَلم، وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك، وهي عبارة عن قداح ثلاثة، على أحدها مكتوب: "افعل" وعلى الآخر: "لا تفعل" والثالث "غُفْل ليس عليه شيء. ومن الناس من قال: مكتوب على الواحد: "أمرني ربي" وعلى الآخر: "نهاني ربي". والثالث غفل (١) ليس عليه شيء، فإذا أجالها فطلع السهم الآمر فعله، أو الناهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد [الاستقسام.] (٢)

والاستقسام: مأخوذ من طلب القَسم من هذه الأزلام. هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا الحجاج بن محمد، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباس: (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ) قال: والأزلام: قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور.

وكذا روي عن مجاهد، وإبراهيم النَّخَعِي، والحسن البصري، ومُقَاتِل بن حَيَّان.

وقال ابن عباس: هي القداح، كانوا يستقسمون بها في الأمور. وذكر محمد بن إسحاق وغيره: أن أعظم أصنام قريش صنم كان يقال له: هُبَل، وكان داخل الكعبة، منصوب على بئر فيها، توضع الهدايا وأموال الكعبة فيه، كان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه، مما أشكل عليهم، فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم يعدلوا عنه.

وثبت في الصحيح: أن النبي لما دخل الكعبة، وجد إبراهيم وإسماعيل مصورين فيها، وفي أيديهما الأزلام، فقال: "قاتلهم الله، لقد علموا أنهما لم يستقسما بها أبدا." (٣)

وفي الصحيح: أن سراقة بن مالك بن جُعْشُم لما خرج في طلب النبي وأبي بكر، وهما ذاهبان إلى المدينة مهاجرين، قال: فاستقسمت بالأزلام هل أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره: لا تضرهم (٤) قال: فعصيت الأزلام وأتبعتهم، ثم إنه استقسم بها ثانية وثالثة، كل ذلك يخرج الذي يكره: لا تضرهم (٥) وكان كذلك وكان سراقة لم يسلم إذ ذاك، ثم أسلم بعد ذلك. (٦)

وروى ابن مَرْدُويه من طريق إبراهيم بن يزيد، عن رَقَبةَ، عن عبد الملك بن عُمَيْر، عن رَجاء بن حَيْوَة، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله : "لن يَلِج الدرجات من تَكَهَّن أو استقسم أو رجع من سفر طائرًا". (٧)

وقال مجاهد في قوله: (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلامِ) قال: هي سهام العرب، وكعاب فارس والروم، كانوا يتقامرون بها.


(١) في د، ر: "عطل".
(٢) زيادة من ر، أ.
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٢٨٨).
(٤) في أ: "لا يضرهم".
(٥) في أ: "لا تكبر".
(٦) صحيح البخاري برقم (٣٩٠٦).
(٧) ورواه الطبراني في مسند الشاميين برقم (٢١٠٤) وتمام الرازي في الفوائد برقم (١٤٤٤) من طريق يحيى بن داود، عن إبراهيم بن يزيد به. قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١٠/ ٢١٣): "رجاله ثقات إلا أنني أظن أن فيه انقطاعًا".