للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) هذه أكبر نعم الله، ﷿، على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم، صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خُلْف، كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ (١) رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا﴾ [الأنعام: ١١٥] أي: صدقا في الأخبار، وعدلا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل (٢) الدين لهم تمت النعمة عليهم (٣)؛ ولهذا قال [تعالى] (٤) (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنه الدين الذي رضيه الله وأحبه (٥) وبعث به أفضل رسله الكرام، وأنزل به أشرف كتبه.

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وهو الإسلام، أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يَسْخَطُه أبدا.

وقال أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عَرَفَة، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام، ورجع رسول الله فمات. قالت أسماء بنت عُمَيس: حَجَجْتُ مع رسول الله تلك الحجة، فبينما نحن نسير إذ تَجلَّى له جبريل، فمال رسول الله على الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن، فبركت فأتيته فَسَجَّيْتُ عليه بُرْدا (٦) كان علي.

قال ابن جُرَيْج (٧) وغير واحد: مات رسول الله بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما.

رواهما (٨) ابن جرير، ثم قال: حدثنا سفيان بن وَكِيع، حدثنا ابن فُضَيْل، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: لما نزلت (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وذلك يوم الحج الأكبر، بكى عمر، فقال له النبي : "ما يبكيك؟ " قال: أبكاني أنّا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذْ أكمل (٩) فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال: "صدقت". (١٠)

ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت: "إن الإسلام بدأ غَرِيبًا، وسيعود غريبا، فَطُوبَى للغُرَبَاء". (١١)

وقال الإمام أحمد: حدثنا جعفر بن عَوْن، حدثنا أبو العُمَيْس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب [] (١٢) فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرءون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: وأي آية؟ قال قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) فقال (١٣) عمر: والله إني


(١) في د: "كلمة" وهي قراءة.
(٢) في د: "فلما كمل".
(٣) في د: "تمت عليهم النعمة"
(٤) زيادة من د.
(٥) في د: "الذي أحبه الله ورضيه".
(٦) في أ: "برداء"
(٧) في ر: "ابن جرير".
(٨) في د: "رواه".
(٩) في ر: "إذ كمل".
(١٠) تفسير الطبري (٩/ ٥١٩).
(١١) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٤٥) من حديث أبي هريرة ، وبرقم (١٤٦) من حديث عبد الله بن عمر .
(١٢) زيادة من أ.
(١٣) في أ: "قال".