للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن حماد، عن (١) إبراهيم، عن ابن عباس؛ أنه قال في الطير: إذا أرسلته فقتل فكل، فإن الكلب إذا ضربته لم يَعُدْ، وإن تَعَلّم الطير أن يرجع إلى صاحبه وليس يضرب، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش فكل. (٢)

وكذا قال إبراهيم النَّخَعِي، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان.

وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد، حدثنا المحاربي، حدثنا مُجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة، فما يحل لنا منها؟ قال: "يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم، واذكروا اسم الله عليه" ثم قال: "ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه، فكل مما أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟ قال: "وإن قتل، ما لم يأكل". قلت: يا رسول الله، وإن خالطت كلابنا كلابا غيرها؟ قال: فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك". قال: قلت: إنا قوم نرمي، فما يحل لنا؟ قال: "ما ذكرت اسم الله عليه وخزَقَتْ فكل ".

فوجه الدلالة لهم أنه اشترط في الكلب ألا يأكل، ولم يشترط ذلك في البزاة، فدل على التفرقة بينهما في الحكم، والله أعلم.

وقوله: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) أي: عند الإرسال، كما قال النبي لعدي بن حاتم: "إذا أرسلت كلبك المعلم (٣) وذكرت اسم الله، فكل ما أمسك عليك". وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضا: "إذا أرسلت كلبك، فاذكر اسم الله، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله"؛ ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة كأحمد [بن حنبل] (٤) -في المشهور عنه (٥) -التسمية -عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية وهذا الحديث، وهذا القول هو المشهور عن (٦) الجمهور، أن (٧) المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال، كما قال (٨) السُّدِّي وغير واحد.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) يقول: إذا أرسلت جارحك فقل: باسم الله، وإن نسيت فلا حرج.

وقال بعض الناس: المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل كما ثبت في الصحيح: أن رسول الله عَلَّم رَبِيبه عمر بن أبي سلمة فقال: "سَمّ الله، وكُل بيمينك، وكل مما يليك". (٩) وفي صحيح البخاري: عن عائشة أنهم قالوا: يا رسول الله، إن قوما يأتوننا -حديث عهدهم بكفر-بلُحْمانٍ لا ندري أذكر اسم الله عليها (١٠) أم لا؟ فقال: "سَمّوا الله أنتم وكلوا." (١١)


(١) في ر، أ: "بن".
(٢) تفسير الطبري (٩/ ٥٥٧).
(٣) في أ: "المكلب".
(٤) زيادة من ر، أ.
(٥) في أ: "عند".
(٦) في أ: "عند".
(٧) في أ: "وأن".
(٨) في أ: "قاله".
(٩) صحيح البخاري برقم (٥٣٧٦) وصحيح مسلم برقم (٢٠٢٢).
(١٠) في ر، أ: "عليه".
(١١) صحيح البخاري برقم (٥٥٠٧).