للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَوَجَدُوا دَقِيقًا فَعَجَنُوا وَخَبَزُوا مِنْهُ فَاسْتَيْقَظَ، فَسَأَلَهُمْ عَنِ الدَّقِيقِ الَّذِي مِنْهُ خَبَزُوا، فَقَالُوا: مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ خَلِيلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ، هُوَ مِنْ خَلِيلِي اللَّهِ. فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ خَلِيلًا.

وَفِي صِحَّةِ هَذَا وَوُقُوعِهِ نَظَرٌ، وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا إِسْرَائِيلِيًّا لَا يُصدَّق وَلَا يُكذَّب، وَإِنَّمَا سُمّي خَلِيلَ اللَّهِ لِشِدَّةِ مَحَبَّةِ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَهُ، لِمَا قَامَ لَهُ (١) مِنَ الطَّاعَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ (٢) أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَطَبَهُمْ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلًا وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ" (٣) .

وَجَاءَ مِنْ طَرِيقِ جُنْدُب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلي، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرو بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا" (٤) .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أُسَيْد، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الجَوْزجاني بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا عُبَيد اللَّهِ (٥) الحَنَفي، حَدَّثَنَا زَمْعة بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَام، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَهُ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ، فَسَمِعَ حَدِيثَهُمْ، وَإِذَا بَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَجَبًا إِنِ اللَّهَ اتَّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ خَلِيلًا فَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُهُ! وَقَالَ آخَرُ: مَاذَا بِأَعْجَبِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا! وَقَالَ آخَرُ: فَعِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ! وَقَالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ! فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ وَقَالَ: "قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ وَتَعَجُّبَكُمْ (٦) أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى كَلِيمُهُ، وَعِيسَى رُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ، وَآدَمَ اصْطَفَاهُ اللَّهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ أَلَا وَإِنِّي حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مشَفع وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَق الْجَنَّةِ، فَيَفْتَحُ اللَّهُ فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ".

وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلِبَعْضِهِ شَوَاهِدُ فِي الصِّحَاحِ (٧) وَغَيْرِهَا.

وَقَالَ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ أَنْ تَكُونَ الخُلَّة لِإِبْرَاهِيمَ، وَالْكَلَامُ لِمُوسَى، وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنَ، وَالْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدَكَ الْقَزْوِينِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ بْنِ سابق -


(١) في أ: "لديه".
(٢) في أ: "رواية".
(٣) صحيح البخاري برقم (٣٦٥٤) وصحيح مسلم برقم (٢٣٨٢) ولفظه: "صاحبكم خليل الله" هي من حديث عبد الله بن مسعود، رواه مسلم برقم (٢٣٨٣) .
(٤) أما حديث جندب بن عبد الله فرواه مسلم في صحيحه برقم (٥٣٢) ، وأما حديث عبد الله بن عمرو فرواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (٩٦١٦) ، وأما حديث عبد الله بن مسعود، فرواه مسلم في صحيحه برقم (٢٣٨٣) .
(٥) في د، ر: "عبد الله".
(٦) في أ: "عجبكم".
(٧) ورواه الترمذي في السنن برقم (٣٦١٦) وقال: "هذا حديث غريب".

<<  <  ج: ص:  >  >>