للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روى في موضعين آخرين، ومسلم وأبو داود والنسائي، من طرق عن الأعمش به (١) حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: " يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل (٢) فلا يرى شيئًا، وينظر في القدح فلا يرى شيئا، وينظر في الريش فلا يرى شيئا، ويتمارى في الفوق " (٣).

ورواه في موضع آخر، ومسلم -أيضا-والنسائي من طرق عن الزهري، عن أبي سلمة به (٤).

حدثنا مُسَدَّد بن مسرهد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أبي موسى، ، عن النبي قال: " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث وريحها مرّ " (٥).

ورواه في موضع آخر مع بقية الجماعة من طرق، عن قتادة به (٦).

ومضمون هذه الأحاديث التحذير من المراءاة بتلاوة القرآن التي هي من أعظم القرب، كما جاء في الحديث: " واعلم أنك لن تتقرب إلى الله بأعظم مما خرج منه " (٧) يعني: القرآن.

والمذكورون في حديث علي وأبي سعيد هم الخوارج، وهم الذين لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، وقد قال في الرواية الأخرى: " يحقر أحدكم قراءته مع قراءتهم، وصلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم ". ومع هذا أمر بقتلهم لأنهم مراؤون في أعمالهم في نفس الأمر، وإن كان بعضهم قد لا يقصد ذلك، إلا أنهم أسسوا أعمالهم على اعتقاد غير صالح، فكانوا في ذلك كالمذمومين في قوله: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة: ١٠٩]، وقد اختلف العلماء في تكفير الخوارج وتفسيقهم ورد روايتهم، كما سيأتي [تفصيله] (٨) في موضعه إن شاء الله.


(١) صحيح البخاري برقم (٣٦١١، ٦٩٣٠) وصحيح مسلم برقم (١٠٦٦) وسنن أبي داود برقم (٤٧٦٧) وسنن النسائي (٧/ ١١٩).
(٢) في ط: "السهم".
(٣) صحيح البخاري برقم (٥٠٥٨).
(٤) صحيح البخاري برقم (٣٦١٠، ٦٩٣٣) وصحيح مسلم برقم (١٠٦٤) وسنن النسائي الكبرى برقم (٨٥٦٠).
(٥) صحيح البخاري برقم (٥٠٥٩).
(٦) صحيح البخاري برقم (٥٤٢٧، ٧٥٦٠) وصحيح مسلم برقم (٧٩٧) وسنن أبي داو د برقم (٤٨٣٠) وسنن الترمذي برقم (٢٨٦٥) وسنن النسائي (٨/ ١٢٤) وسنن ابن ماجة برقم (٢١٤).
(٧) رواه أحمد في المسند (٥/ ٢٦٨) والترمذي في السنن برقم (٢٩١١) من طريق ليث بن أبي سليم عن زيد بن أرطأة عن أبي أمامة به مرفوعا، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
(٨) زيادة من ط.